عنوان الفتوى : سبب نزول سورة الكهف.. وموت أبي لهب على الكفر من دلائل النبوة
كلما جئت وقرأت عن الأخبار التي تزيد المسلم رسوخًا في دينه فيقول: ربما الخبر غير صادق، فمثلا سبب نزول سورة الكهف يقول: ربما كُذب في سند هذا الخبر المنقول عن الصحابي فلان. فما علاج ذلك؟ وهل باستطاعتكم ذكر سند الحديث الذي ذكر عن ابن عباس في سبب نزول سورة الكهف مفصلا عن أهل العلم؟ ويأتي أيضًا يوسوس لي في أمر أبي لهب فيقول: ربما أسلم ومات على الإسلام سرا. أنا مؤمن بما قاله القرآن، ولكن هلا ذكرتم لي أيضًا السند المروي عن هذه الحادثة مفصلا، كما في سابقه حتى أزداد رسوخًا فيما أنا فيه. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن صحة أو ضعف سبب النزول أو قصة رجل معين لا يسوغ أن تكون سببا للوسوسة، وعليك أن تحاول علاج ما بك من الوسوسة، وقد بينا بعض ما يعين على ذلك بالفتوى رقم : 51601.
وأما سبب نزول سورة الكهف فقد نقله جمع من المفسرين منهم ابن كثير وابن العربي ورواه ابن جرير في ((التفسير)) والبيهقي في ((الدلائل)) ، وعزاه السيوطي في ((الدر المنثور)) لابن المنذر وأبي نعيم في ((الدلائل)) وكلهم رووه عن ابن إسحاق عن شيخ لم يسمه. ومن المعلوم عند أهل الفن أن جهالة عين الراوي يضعف بها السند، ولكن للقصة أصلا؛ فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم بإسناد صحيح طلب قريش من اليهود شيئاً يمتحنون فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن الروح. فنزلت آية الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ..} الآية.
وهذا الحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي كما صححه أحمد شاكر والألباني ، وراجع الفتوى رقم : 35392.
وأما أبو لهب فانه لم يسلم سرا ولا جهرا، وقد عد أهل العلم عدم إسلامه أو ادعائه للإسلام من دلائل النبوة فهو كان يسمع القرآن، وفيه الوعيد له، ولم تسول له نفسه أن يدعي الإسلام حتى يكذب هذا الخبر المستقبلي.
فقد قال الجصاص في تفسيره : وقوله تعالى : { سيصلى نارا ذات لهب } . إحدى الدلالات على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر بأنه وامرأته سيموتان على الكفر ولا يسلمان , فوجد مخبره على ما أخبر به , وقد كان هو وامرأته سمعا بهذه السورة ولذلك قالت امرأته : إن محمدا هجانا , فلو أنهما قالا : قد أسلمنا وأظهرا ذلك وإن لم يعتقداه لكانا قد ردا هذا القول، ولكان المشركون يجدون متعلقا , ولكن الله علم أنهما لا يسلمان لا بإظهاره ولا باعتقاده فأخبر بذلك وكان مخبره على ما أخبر به . وهذا نظير قوله لو قال : إنكما لا تتكلمان اليوم , فلم يتكلما مع ارتفاع الموانع وصحة الآلة , فيكون ذلك من أظهر الدلالات على صحة نبوته . ... اهـ
وقد ذكر أصحاب السير أنه كان في آخر عمره يحارب الإسلام وأهله حتى مات شر ميتة بمرض العدسة. فقد قال ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكنت قد أسلمت، وأسلمت أم الفضل، وأسلم العباس، وكان يكتم إسلامه مخافة قومه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام، وكان له عليه دين، فقال له: اكفني هذا الغزو، وأترك لك ما عليك، ففعل، فلما جاء الخبر، وكبت الله أبا لهب، وكنت رجلا ضعيفا أنحت هذه الأقداح في حجرة، فوالله إني لجالس في الحجرة أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل إذ الفاسق أبو لهب يجر رجليه أراه، قال: عند طنب الحجرة وكان ظهره إلى ظهري، فقال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث، فقال أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي، فجاء أبو سفيان حتى جلس عنده، فجاء الناس، فقاموا عليهما، فقال: يا ابن أخي، كيف كان أمر الناس؟ فقال: لا شيء، فوالله إن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله ما لمت الناس، قال: ولم، قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق لا والله ما تليق شيئا، ولا يقوم لها شيء، قال: فرفعت طنب الحجرة، فقلت: والله تلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده، فضرب وجهي وثاورته، فاحتملني فضرب بي الأرض حتى برك على صدري، فقامت أم الفضل فاحتجزت، ورفعت عمودا من عمد الحجرة فضربته به، فعلقت في رأسه شجة منكرة، وقالت: يا عدو الله، استضعفته، أن رأيت سيده غائبا عنه فقام ذليلا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى ضربه الله بالعدسة فقتلته، فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفنانه حتى أنتن، فقال رجل من قريش لابنيه: ألا تستحيان إن أباكما قد أنتن في بيته؟ فقالا: إنا نخشى هذه القرحة، وكانت قريش تتقي العدسة كما تتقي الطاعون، فقال رجل: انطلقا فأنا معكما، قال: فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد، ثم احتملوه فقذفوه في أعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة " اهـ
وهذا الحديث قال فيه الهيثمي : رواه الطبراني والبزار، وفي إسناده حسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه أبو حاتم، وغيره، وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. اهـ
والله أعلم.