عنوان الفتوى : قول ابن تيمية في من زعم أن الله يعلم الكليات دون الجزئيات
قرأت في بعض المواقع التي تذم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ أنه ألف جزءا في أن علم الله لا يتعلق بالغير المتناهي كنعيم الجنة ولا يحيط بالمتناهي، وأنا ـ والحمد لله ـ سلفي الاعتقاد وأعلم أن علم الله يحيط بكل شيء، وبتفاصيل كل شيء مهما دق وصغر، فهل شيخ الإسلام ألف هذا؟ أم أنهم قاموا بتأويل كلامه؟ أم هذا كذب وافتراء محض؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الفرية ليس لها وجود في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ومؤلفاته، بل ذكرها بعض المتعصبين والمتهوكين من المبتدعة نقلا عن مخطوط ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر لابن طولون!!! ولن ننشغل بالكلام عن هذا المخطوط وحاله وحال مؤلفه، فحسبنا كتب شيخ الإسلام التي بين أيدينا، فقد حكم ـ رحمه الله ـ بكفر من علق علم الله تعالى بالكليات دون الجزئيات، فقال في بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية: يجب تكفير من قال منهم: إن الله عز وجل لا يعلم إلا نفسه أو لا يعلم إلا الكليات، فأما الأمور الجزئية المتعلقة بالأشخاص فلا يعلمها، لأن ذلك تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم قطعا، وليس من قبيل الدرجات التي ذكرناها في التأويل، إذ أدلة القرآن والأخبار على تفهيم حشر الأجساد وتفهيم تعلق علم الله تعالى بكل ما يجري على الإنسان مجاوزة حدا لا يقبل التأويل... اهـ.
وقد توسع شيخ الإسلام في الرد على نفاة صفة العلم القائمة بذات الله تعالى، ومن ذلك قوله في درء تعارض العقل والنقل: وليس في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ما ينفي هذا المعنى الذي سموه تركيباً وتغيراً، بل النصوص المتواترة التي جاءت بها الأنبياء عن الله، كلها تدل على إثبات ما نفوه من هذه المعاني، ولو لم يكن إلا إثبات علمه بكل شيء علماً مفصلاً، وهذا القرآن فيه من إخبار الله بالأمور المفصلة عن الشخص المعين، وكلامه المعين، وفعله المعين، وثوابه وعقابه المعين، مثل قصة آدم، ونوح، وهود، وصالح وموسى، وغيرهم، ما يبين أنهم من أعظم الناس تكذيباً لرسل الله تعالى، وكذلك أخباره عن أحوال محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى ببدر، وأحد، والأحزاب، والخندق، والحديبية، وغير ذلك من الأمور الجزئية أقوالاً وأفعالاً، وأخباره أنه يعلم السر وأخفى، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم ما تنقص الأرض من الموتى وعنده كتاب حفيظ، وأنه يعلم ما في السموات والأرض، وأن ذلك في كتاب، وأنه: ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ـ وأنه يعلم ما: تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدارـ عالم الغيب والشهادة ـ وأنه: عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ـ وأنه: قضى أجلا وأجل مسمى عنده ـ وأنه: يعلم ما يسرون وما يعلنون ـ وأنه: أعلم بما يقولون ـ إلى أمثال ذلك مما يطول ذكره في كتاب الله تعالى، ثم من أعظم الضلال والجهل أن ينفي النافي علم رب العالمين بمخلوقه، لكون ذلك يستلزم ما يسمونه تغيراً وحلول حوادث، ثم نفي هذا المعنى لم يذهب إليه أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، وإنما يوافقهم عليه الجهمية ومن تلقاه عن الجهمية من الكلابية ونحوهم، فلا يقر بنفي ذلك إلا من هو من أهل الكلام المبتدع المذموم المحدث في الإسلام، ومن تلقاه عنهم جهلاً بحقيقته ولوازمه، وإذا كان علم الرب مستلزماً لهذا، كان هذا من أعظم البراهين على ثبوته، وخطأ من نفاه شرعاً وعقلاً، فإنه قد علم بالاضطرار من دين الرسول إثبات العلم بكل شيء من الأعيان. اهـ.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 214762، ورقم: 14739.
والله أعلم.