عنوان الفتوى : به مسّ من الجن ، ويريد الزواج ، فهل يمكن أن يعتدي الجن على زوجته ؟
أنا عندي مس عاشق ، وأريد الزواج إن شاء الله هذا الصيف ، ولكن خطيبتي خائفة أن يضرها الجن بعد الزواج ، فهل من الممكن أن يعتدي عليها ؟
الحمد لله
أولا :
ينبغي على المسلم أن يكون حسن التوكل على الله ، حسن الظن به ، ولا يلتفت كثيرا إلى
مكائد الشيطان ووساوسه وهواجسه ، وليس كل ما يقال عن المس الشيطاني صحيحا ، بل فيه
كثير من المبالغات والشائعات والأمور المنكرات ، وتحصل أحوال كثيرة بسبب الوهم وعدم
كمال التوكل على الله .
والمسلم قوي بدينه وإيمانه ، عزيز بتوحيده ، يقهر به شيطانه ، ويعز به نفسه ، ويرفع
به قدره ، فيرى الشيطانَ ذليلا مهينا ، لا سلطان له عليه ، ويرى كيده ضعيفا .
ونحن لا ننكر المس الشيطاني ، بل نقر بوجوده ، ولكننا ننكر المبالغة فيه ، والتهويل
من أمره ، ولو أن الإنسان استعان بربه وأحسن التوكل عليه ولزم طاعته وعبادته وأكثر
من تلاوة كتابه ولهج بذكره بالليل والنهار وكان له ورد من صلاة الليل وصاحب أهل
الخير وترك صحبة أهل الشر واستقام على طاعة الله : لعاش طيبا ومات طيبا .
قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة
نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور
به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما
عمله في الدار الآخرة ،
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت" انتهى من "تفسير ابن كثير" (4
/601).
وقال تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ
مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) هود/
3 .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فبين سبحانه أنه يسعد المحسن بإحسانه في الدنيا وفي الآخرة ، كما أخبر أنه يشقي
المسيء بإساءته في الدنيا والآخرة " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1 /23) .
وما أحسن ما قال أبو سليمان الداراني رحمه الله :
" ما خلق الله خلقا أهون علي من إبليس ، ولولا أني أُمرت أن أتعوذ منه ما تعوذت منه
أبدا ، ولو بدا لي ما لطمت إلا صفحة وجهه " انتهى من "تاريخ دمشق" (34 /140).
ثانيا :
إذا كان أثر هذا المس الشيطاني ظاهرا قويا فلا بد من إخبار المخطوبة وأهلها به ،
لأنه يعد عيبا من عيوب النكاح ، قال ابن القيم رحمه الله: " والقياس: أن كل عيب
ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار " .
انتهى من "زاد المعاد" (5/166) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
أخي مصاب بالصرع ، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع ، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه
أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب ؟
فأجاب :
" نعم ، يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخلقية قبل الزواج
؛ لأن هذا من النصح ، ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما، وأقطع للنزاع ، وليدخل كل
منهما مع الآخر على بصيرة ، ولا يجوز الغش والكتمان " انتهى من "المنتقى من فتاوى
الفوزان" (69 /1)
ثالثا :
يصون المرء نفسه وأهل بيته بطاعة الله عز وجل وحسن عبادته وتلاوة كتابه وكثرة ذكره
وحسن الاستعانة به والتوكل عليه .
فإذا عمر البيت المسلم بالذكر والإيمان فإنه يحفظ من كيد الشيطان بإذن الله ، وكذا إذا
جامع الرجل زوجته فقال : (بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ
وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ
) رواه البخاري (141) ، ومسلم (1434).
والبيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان ، كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ
سُورَةُ الْبَقَرَةِ )رواه مسلم (780) .
وروى الترمذي (2882) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ
خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ
فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فإذا صارحت هذه الفتاة وأهلها بحالتك وما يحدث لك ، فوافقوا على زواجك منها ، ثم
اعتصمتما بالله ، وكنتما من أهل الذكر والقرآن والطاعة ، فإنه يرجى بفضل الله ألا
يصيبك من الشيطان أذى ولا يصيبها .
فاستعينا بالله ، واعتصما بحبله ، وتوكلا عليه ، وأحسنا الظن به ، والله عند ظن
عبده به ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
وما دام أثر المس موجودا،
فينبغي أن تحرص على الرقية وتواظب عليها، حتى يزول المس بإذن الله ، ولا ينبغي
التهاون في ذلك ، فإن المس بصفة عامة له أثر سيء على المصاب في وقوعه في المعاصي ،
وتثبيطه عن الطاعات ، وعلاجه يحتاج إلى مجاهدة وصبر واستمرار.
ولا حرج في الاستعانة بأحد الرقاة ممن عرف بالاستقامة والتمسك بالسنة .
ولمعرفة الرقية الشرعية وآدابها راجع السؤال رقم : (12918)
، ورقم : (11290)،
ورقم : (3476) ، ورقم : (11026) ، ورقم : (21581)
.
والله تعالى أعلم .