أرشيف المقالات

زيارتك لا تكفيني

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
زيارتك لا تكفيني

الكثير من محبِّيك اشتاقوا لزيارتكَ، واجتهدوا للوصول لروضتِكِ الشريفة والسلام عليك، وأنا أعاقتني ذنوبي وحالتْ بيني وبين الوصول إليك، لكنني أَجِدني وإن وصَلتُ إليكَ، لا تكفيني زيارتك والسلام عليك، وأعود أدراجي أعلِّل النفس وأُهنِّئها وصولَها، وقد كان حِيلَ بينها وبين ذلك من قبل! نعم، والذي رفع السماء بلا عمدٍ، لا أجدني تكفيني مجرد زيارة تطول أو تَقصُر يَحول بيني وبين أن أسمعه وأراه هذا السجن الذي نُسمِّيه الدنيا، وتعلُّقنا بها وبمشاغلها ولَعِبها ولهوها، ليت أني أزور روضتَه الشريفة، وأسلِّم عليه وأَبثُّه شوقي لمرآه، وأَذرِف بين يديه دموعَ الحب والشوق، وأُغمِض عيني لأسمع بين جوانحي حنينَه لإخوانه الذين آمنوا به ولم يروه، وأسمعه وهو يَحُض أمتَه على وَحدة الصفِّ وجمْع الكلمة ونبْذ الفُرْقة والاختلاف، أسمعه وقد حمل الطوب على كتفيه الشريفتين مُعلِّمًا أمتَه حب العمل وحب التعاون، ومشاركة العامة في بناء الأوطان وهمّ الدين والدعوة إليه، ونَشْر دينه ديدنه ونشيده يُردِّده والعَرق يتصبَّب من جبينه الشريف: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمُهاجِرة))، أسمعه وهو يدعو أصحابه يطلب منهم مَن يضيف ضيفَه الليلة بعد أن لم يجد في بيته ما يضيفه به، أسمعه وقد أقبل عليه شاب يستأذنه في مقارفة الزنا فما انتهره أو سفَّهه؛ وإنما قرَّبه بين يديه، وسأله إن كان يقبل ذلك لنسائه من أخت وأم وعمة وخالة، وكان يرد عليه الشاب بعدم القَبُول، فيقول له بأبي هو وأمي: ((وكذلك هم لا يقبلون))، وذلك بحضور الصَّحب الكرام، ثم يضع يده الشريفة على صدره ويدعو له: ((اللهم طهِّر قلبَه من الزنا، واملأه بالإيمان))،فيقوم الشاب، ويقول: لقد جئتُك يا رسول الله وقلبي يحب الزنا، وأنا الآن أَجِدني أُبغِض الزنا.
 
أسمعه وقد ذرَفت عيناه بالدموع وابنه إبراهيم بين يديه تجود أنفاسه حتى فارَق الحياةَ فيقول: ((إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فُراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا))، أسمعه وقد شاع بين الناس أن الشمس كسَفتْ لموت ولده إبراهيم فيتجاوز حزنَه، ويخرج للناس مُعلِنًا: ((أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يُخسَفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا للصلاة والذِّكر والاستغفار))، وأسمعه وقد وجد الأنصار في أنفسهم شيئًا يوم أكرم حدِيثي الإسلام، وأَجزل لهم العطاءَ بعد فتح مكة، وإثر معركة هي الأُولى لهؤلاء، وأحبَّ - عليه الصلاة والسلام - أن يتألَّف بها قلوبَهم فجمع الأنصار، وقال لهم: ((أوجَدتُم علي في لُعَاعة تألفت بها القوم وتركتكم لإيمانكم؟))، وقال لهم : ((لولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار، أترضون أن يسير الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى دياركم))، وكان ردهم إيجابيًّا: رضينا برسول الله قِسمًا، رضينا برسول الله قِسْمًا، وأسمعه بأبي هو وأمي يدعو لهم: ((اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار))، فارتفع أصواتهم بالبكاء وهم يؤمِّنون على دعائه، وتمرّ أحداث السيرة العَطِرة لأسمعه وهو يُعاني سكراتِ الموت يُكرِّر ويُنبِّه أمتَّه: ((الصلاةَ الصلاة وما ملكتْ أيمانكم، لعن الله اليهود اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد))، وأسمعه وأراه وهو يَسقيني من يده الشريفة الماء الذي لا أظمأ بعده أبدًا، وأرى الملائكة وهي تَصُد قومًا أرادوا الورود للشرب من الماء فيَبتدِرهم الحبيب: أمتي أمتي، فيقال له : إنهم ليسوا من أمتك؛ لقد أحدَثوا بعدك، فيقول مُغضَبًا: ((سحقًا سحقًا لمن غيرَّ وبدَّل)).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣