عنوان الفتوى : شبهة حول القدر والجزاء والرد عليها
كيف نجيب عن شبهة: أن الله عز وجل منه العمل بهداية البيان، وهداية التوفيق، فعلى ماذا يكون الجزاء والثواب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق لعبده إرادة واختيارًا، بهما يسلك أحد النجدين، ويكون من أحد الفريقين: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: 7] فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ [الأعراف: 30].
والثواب والعقاب إنما يقع على هذا الاختيار، قال الشيخ حافظ حكمي في معارج القبول: الهداية والإضلال بيد الله، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، وهو أعلم بمواقع فضله وعدله {هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى} [النجم: 30] وله في ذلك الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، وأن الثواب والعقاب مترتب على الشرع فعلًا وتركًا، لا على القدر. اهـ.
وقال الشيخ الدكتور صالح الفوزان في شرح مسائل الجاهلية عند مسألة: دعوى التناقض بين شرع الله وقدره. قال: لا معارضة بين الشرع والقدر أبدًا، فالله قدر الشرك والمعاصي والكفر، ونهى عن ذلك، وشرع الإيمان والاستقامة والصلاح، ولا معارضة بينهما؛ لأن العباد هم الذين يفعلون هذه الأفعال باختيارهم وإرادتهم ومشيئتهم، فالفعل منسوب إليهم، ولذلك يعاقبون على المعاصي، ويثابون على الطاعات، وإن كانت مقدرة من الله سبحانه وتعالى، فإنهم إنما يجازون على فعالهم، لا على القدر. اهـ.
ومع ذلك فإننا نقرر أن مجازاة الله تعالى لعباده الصالحين، وإثابته إياهم بالخلود في الجنة، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، إنما هو بفضل الله تعالى ورحمته، فإنهم لا يستحقون الجنة ثمنًا لأعمالهم، وهذا يوضحه أمور:
منها: ما أشير إليه في السؤال من أن أعمالهم إنما كانت بتوفيق الله، وهدايته، وإعانته لهم.
ومنها: أن نعم الله تعالى عليهم في حياتهم الدنيا، لو وزن بعضها بأعمالهم لكانت أرجح منها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 10116.
والله أعلم.