عنوان الفتوى : لو ثبت عن صحابي عبادة معينة، ولمتثبت عن غيره، ولم يرفعها للنبي، فما الحكم؟
إذا ثبت عن صحابي ما عبادة، كصلاة معينة بهيئة مختلفة عن الصلاة المعهودة، ولم تثبت عن غيره من الصحابة، ولم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حكم هذا الأثر الموقوف الذي ذكرت لكم؟ وهل يكون له حكم المرفوع، ونعمل به كالمرفوع؟ أم نقول إنه شاذ؛ لأنه لم يعمل به أحد من الصحابة، ولأنه مخالفة للصلاة المعهودة في الأحاديث الصحيحة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذا موضع اشتباه، ويخطئ فيه كثير من الناس، هل فعل الصحابي ذلك اتباعًا، أم اجتهادًا، لكن إن كان تفرد به عن الصحابة، ولم ينقله عن النبي صلى الله عيه وسلم لم يكن سنة، ولا مرفوعًا، قال ابن تيمية - رحمه الله -: فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل؛ ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة: هل فعلها استحبابًا، أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه: هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه، أو لكونه سنة؟ تنازعوا في ذلك، ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتعريف ابن عباس بالبصرة، وعمرو بن زاذان بالكوفة، فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة، بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله؛ لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحيانًا لعارض، إذا لم يجعل سنة راتبة، وهكذا يقول أئمة العلم في هذا، وأمثاله: تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة، ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين، فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس لغيره أن يسن، ولا أن يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون، فإنما سنوه بأمره، فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجبًا إلا ما أوجبه، ولا حرامًا إلا ما حرمه، ولا مستحبًا إلا ما استحبه، ولا مكروهًا إلا ما كرهه ولا مباحًا إلا ما أباحه.
والله أعلم.