عنوان الفتوى : كيف تعتد المطلقة التي لا تنتظم عادتها الشهرية
امرأة من مواليد 1967 لها ولد بالغ، وقد تزوجت منذ سنوات رجلا، ولم تنجب. وقبل سنتين ذهب بها إلى تونس من أجل العلاج طلبا للإنجاب، وأكد الأطباء أنها يائسة من الإنجاب؛ لوجود مرض في الرحم يمنع الإنجاب، وأكدوا كذلك أن دورتها الشهرية ستبقى مضطربة، وبعد عودتها من تونس بقيت الدورة مضطربة كما قال الأطباء. وفي شهر شوال من السنة قبل الماضية جاءتها دورة قصيرة لمدة يوم وليلة، وبعد ذلك بتسعة أشهر بيضاء طلقها الزوج، وبعد الطلاق خضعت لفحص بالأشعة للتأكد من براءة الرحم، وبعد ثلاثة أشهر ويومين من الطلاق جاءتها دورة استمرت مدة ثلاث ساعات تقريبا، ولم تحض بعد ذلك حتى الآن.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المطلقة التي تحيض، لا تعتد بالأشهر، بل تعتد بثلاث حيضات كاملة؛ لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ {البقرة: 228}.
وأما المطلقة اليائسة من المحيض، فتعتد بثلاثة أشهر بالإجماع؛ ولقوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ {الطلاق: 4}.
فما دام حيض تلك المرأة مضطربا، فإنه لا يخلو من حالين:
إما أن ينقطع لسبب معلوم، فعليها أن تنتظر حتى يعود الحيض فتعتد به، أو تبلغ سن اليأس، فتعتد بثلاثة أشهر.
وإما أن ينقطع الحيض لسبب غير معلوم، فإن عدتها سنة كاملة.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن عرفت ما رفع الحيض، كانت في عدة حتى يعود الحيض، فتعتد به، إلا أن تصير من الآيسات، فتعتد بثلاثة أشهر من وقت تصير في عداد الآيسات، .... وقال: وذوات القرء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، اعتدت بتسعة أشهر للحمل، وعدة الآيسة.....انتهى.
وجاء في الإنصاف للمردواي الحنبلي: قَوْلُهُ (فَأَمَّا الَّتِي عَرَفَتْ مَا رَفَعَ الْحَيْضَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ رَضَاعٍ، وَنَحْوِهِ فَلَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتَعْتَدَّ بِهِ، إلَّا أَنْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتَعْتَدَّ عِدَّةَ آيِسَةٍ حِينَئِذٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْأَثْرَمِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَنْتَظِرُ زَوَالَهُ. ثُمَّ إنْ حَاضَتْ اعْتَدَّتْ بِهِ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِسَنَةٍ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْكَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. ... وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ عَلِمَتْ عَدَمَ عَوْدِهِ فَكَآيِسَةٍ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ سَنَةً. انتهى.
وبناء عليه، فهذه المرأة لا تزال في العدة.
وإذا كانت الطلقة المذكورة هي الأولى، أو الثانية، فطلاقها رجعي، وإلا كان طلاقها بائنا.
وسواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، فإنه لا يمكنها أن تتزوج قبل انقضاء عدتها.
وأما عن تقديم الأخ على الابن في ولاية تزويج المرأة الحرة، ففيه خلاف بين أهل العلم.
قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: مَتَى عُدِمَ الْأَبُ وَآبَاؤُهُ، فَأَوْلَى النَّاسِ بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ ابْنُهَا، ثُمَّ ابْنُهُ بَعْدَهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ. وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. انتهى.
وعند الحنفية والمالكية فإن الأولى بتزويج المرأة هو ابنها وإن نزل، ثم أبوها وإن علا، وأما الشافعية فليس للابن عندهم ولاية التزويج أصلاً؛ وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 129293.
وقال النووي- رحمه الله- في روضة الطالبين وعمدة المفتين: وَيُقَدَّمُ مِنَ الْقَرَابَةِ الْأَبُ، ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ أَبُوهُ، إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي، ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْعَمُّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَاتِ. وَالتَّرْتِيبُ فِي التَّزْوِيجِ، كَالتَّرْتِيبِ فِي الْإِرْثِ، إِلَّا فِي مَسَائِلَ. انتهى.
وما دامت المسألة محل خلاف بين العلماء، فننصح برفعها للمحكمة الشرعية لتبت فيها بما تراه، ولتأمنوا بذلك من تبعات القانون إذا كانت فيها مخالفة له.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 174917، 32427.
والله أعلم.