عنوان الفتوى : هل يلزم المرضعة شيء إن مات رضيعها أثناء الرضاعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أخت جدتي (متوفاة) رحمها الله أرضعت ابنها(أربعة شهور) وتوفي ابنها أثناء الرضاعة( سبب موت الطفل هو الرضاعة) فهل على جدتي شيء ( لأن جدتي هي أختها الوحيدة وليس لها أبناء أو إخوة غيرها )وجزاكم الله خيراً.....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن الرضاع لا يسبب موت الرضيع. ولكن لو تيقن أنه سبب موت الرضيع لوجود تفريط من المرضعة كأن تكون أرضعته إرضاعاً زائداً عن حاجته وتلبد اللبن في بطنه حتى مات فهو قتل خطأ يوجب على عاقلة المرضعة -وهم عصبتها من الرجال- الدية كل على حسب قدرته، فإن لم يكن لها عصبة فالدية تكون في بيت المال؛ إلا أن يعفوا الورثة عن الدية فتسقط.
كما يجب على المرضعة كفارة وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فيصام شهرين متتابعين، لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا....... [النساء:92].
أي يعفوا فتسقط.
وما دامت هذه المرضعة قد توفيت فالواجب عتق الرقبة من مالها، فإن لم توجد الرقبة صام عنها وليها القريب استحباباً، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
وفي الصحيحين أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل -وفي رواية امرأة- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفاقضيه عنها؟ قال: نعم، فدين الله أحق أن يقضى.
قال النووي رحمه الله: والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثاً أو غيرهما.
وقيل: المراد الوارث. وقيل: العصبة. والصحيح الأول. ولو صام عنه أجنبي إن كان بإذن الولي صح وإلا فلا في الأصح. ولا يجب علي الولي الصوم عنه لكن يستحب. هذا تلخيص مذهبنا في المسألة.
وممن قال به من السلف: طاووس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور، وبه قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد في صوم النذر دون رمضان وغيره.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره. حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ورواية عن الحسن والزهري، وبه قال: مالك وأبو حنيفة. قال القاضي وغيره -وهو قول جمهور العلماء- وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه، وهذا تأويل ضعيف بل باطل. وأي ضرورة إليه وأي مانع يمنع من العمل بظاهره مع تظاهر الأحاديث مع عدم المعارض لها.
قال القاضي وأصحابنا: وأجمعوا على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في الميت. والله أعلم.
ونقلنا كلام النووي بطوله لما فيه من الفوائد.
وبين النووي في موضع آخر كيفية الجمع بين الأحاديث الآمرة بالصوم عن الميت والأحاديث الناهية عن ذلك فقال: اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره.. هل يقضى عنه؟ وللشافعي في هذه المسألة قولان مشهوران: أشهرهما أنه لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً، والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه. وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. وأما الحديث الوارد : من مات وعليه صوم أطعم عنه. فليس بثابت ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين، فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام، فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام وتجويز الإطعام. انتهى
والخلاصة أن جدتك إذا لم تجد رقبة مؤمنة تعتقها عن أختها كفارة لما ارتكبته من القتل الخطـأ -إن ثبت تفريطها في إرضاعها لطفلها- فيندب لها أن تصوم عنها شهرين متتابعين، وإذا لم يثبت تفريط أختها في إرضاعها لطفلها فلا شيء عليها.
والله أعلم.