عنوان الفتوى : هل البراءة من المقيم في بلاد الكفار تدل على أنه كافر ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

حديث النبي عليه الصلاة والسلام "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" . 1-هل يعني فيه البراءة التامة يعني إذا سافر المسلم إلى بلاد الكفار سيصبح كافرا مرتدا عن الإسلام أم فيه معصية ؟ 2- حكم المسلم المتجنس بجنسية دولة كافرة علما أنه يبغض يعني يكره دينهم الباطل هل يصبح كافرا وإذا مات كذلك يطبق عليه نفس الحكم وهو الكفر والعياذ بالله ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا :
الحديث الذي سألت عنه هو : عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ ، فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلَ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ )، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ؟ ، قَالَ: ( لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا ) " .
رواه أبو داود ( 2645 ) ، والترمذي ( 1604 ) . وحكم عليه كثير من أهل العلم بأنه " مرسل " ؛ والمرسل أحد أنواع الحديث الضعيف ، وصححه بعض العلماء كالشيخ الألباني
في " إرواء الغليل " ( 5/30 ) .
وقد سبق تفصيل الكلام عن صحة الحديث في جواب السؤال :(121155) .

ثانيا :
على القول بصحة الحديث ، فإن لفظة " أنا بريء ... " لا يلزم منها كفر من صدرت في حقه ؛ فقد ورد استعمالها في ذنوب لا يكفر صاحبها بالإجماع .
فورد في صحيح البخاري ( 1296 ) ومسلم ( 104 ) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ ).
(الصالقة) التي ترفع صوتها عند المصيبة .
(الحالقة) التي تحلق شعرها عند المصيبة .
(الشاقة) التي تشق ثيابها عند المصيبة .
وهذه المعاصي ليست كفراً ، ولكن هذه الكلمة (أنا بريء ...) تدل على أن هذا الفعل محرم.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى في معنى الحديث الوارد في السؤال :
" ومعنى براءته منه له وجهان :
أحدهما: البراءة من دمه وغرامة ديته .
والثاني: البراءة منه في الدين والإيمان ، على جهة التعظيم والإنكار لمقامه بينهم كقوله : ( من سل علينا السلاح فليس منا ) .
وهذا ومثاله كثيرًا ما يجيء في ألفاظه صلى الله عليه وسلم ، ومقصده منها : التفظيع والإكبار لشأن هذا الأمر حتى يجتنب ، وأن الإنسان إذا علم أنه بمخالفته ُيتبرأ منه ترك ذلك ، وفيه دليل على أنه إذا كان أسيرا في أيديهم وأمكنه الخلاص منهم لا يحل له المقام بينهم " انتهى من "الشافي في شرح مسند الشافعي " ( 5/181 ) .

وسبب التحريم هو ما تجرّه هذه المساكنة والإقامة من المفاسد ، كما تدل عليه قصة الحديث .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" الله تعالى جبل بني آدم ، بل سائر المخلوقات ، على التفاعل بين الشيئين المتشابهين ، وكلما كانت المشابهة أكثر ؛ كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم ، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط .
ولما كان بين الإنسان وبين الإنسان مشاركة في الجنس الخاص ، كان التفاعل فيه أشد ...
ولأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم ، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة ...
كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى ، هم أقل إيمانا من غيرهم ممن جرَّدَ الإسلام ...
وكل ما كان سببا إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه ، كما دلت عليه الأصول المقررة " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " ( 1 / 487 - 488 ) .
والحاصل :
أن الإقامة في بلد الكفر ليس لها حكم واحد بل بحسب حال المقيم وبلد الإقامة .
وقد أشار إلى هذا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى ، حيث قال : " حديث : ( مَن جَامَعَ الْمشرِك أَو سَكن مَعَه فهوَ مِثله ) وحديث : ( أَنا بَرِيءٌ مِن مسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين ) هذان الحديثان هما من الوعيد الشديد المفيد غلظ تحريم مساكنة المشركين ومجامعتهم ، كما هما من أَدلة وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهذا في حق من لم يقدر على إظهار دينه .
وأَما من قدر على إظهار دينه : فلا تجب عليه الهجرة ، بل هي مستحبة في حقه .
وقد لا تستحب إذا كان في بقائه بين أَظهرهم مصلحة دينية من دعوة إلى التوحيد والسنة وتحذير من الشرك والبدعة علاوة على إظهاره دينه " انتهى من " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم " (1/91 - 92 ) .

أما التجنّس بجنسية دولة كافرة فلا يعد كفراً ، ولكنه محرم لغير ضرورة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال : (67782) .

والله أعلم .