عنوان الفتوى : القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق
أعلم أنّ القرآن صفة من صفات الله كالعين واليد وغيرها من الصفات ، وأنه كلام الله حقيقة ، أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال جبريل عليه السلام ، وأنّ القرآن غير مخلوق ، ولكن ما المقصود بذلك؟ هل يعني ذلك أنّ كلام الله غير مخلوق ، حتى عندما نقرأه ، فنحن مخلوقات الله ، وكل ما يصدر عنا هو من خلق الله ؟ هل التفكير بهذا الشكل فيه نوع من التعدي ؟ فأنا لا أريد ذلك وكل ما أريد هو أن تكون عقيدتي صحيحة ؟
الحمد لله
القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق .
والمقصود بذلك : أن الله تعالى تكلم بالقرآن ، وسمعه منه جبريل عليه السلام ، ونزل
به على النبي صلى الله عليه وسلم ، وبلغه إياه .
وصفات الله تعالى كلها غير مخلوقة ، فهي أزلية لا أول لها . وكلام الله من هذه
الصفات ، ومنه القرآن . فلذلك قال العلماء : إن القرآن غير مخلوق ، لأنه كلام الله
الذي هو صفة من صفاته .
أما أفعال العباد : فمخلوقة ، قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا
تَعْمَلُونَ ) الصافات/ 96 .
فهاهنا أمران ينبغي التمييز
بينهما
الأول : كلام الله جل وعلا ، الذي تكلم به ابتداء ، وسمعه منه جبريل عليه السلام ،
ونقله إلينا النبي صلى الله عليه وسلم : فهذا صفة الله ، غير مخلوقة ، بحروفه ،
وكلماته ، وكذا صوته الذي تكلم الله به ابتداء ، وسمعه منه جبريل عليه السلام .
فهذا كله : كلام الله غير مخلوق منه شيء ، كيفا كتب ، أو تلي ، أو سمع .
والثاني : عمل العبد ، الذي
هو وعاء الذي يحمل به كلام الله ، فيكتبه في كتاب ، ويقرؤه ، ويسمعه ، وكل ما كان
من العبد وعمله : فهو مخلوق .
فيد البعد مخلوقة ، والمداد الذي يكتب به : مخلوق ، والأوراق التي يكتب فيها :
مخلوقة ، ولسان العبد : مخلوق ، وصوته الخاص به : مخلوق ؛ وكل هذه أوعية ، يحمل بها
العباد كلام الله ، وينقلونه ، ويبلغونه .
وقد حرر غير واحد من الأئمة
المقام ، وميزوا بين الأمرين ، وعلى رأسهم إمام المحدِّثين : محمد بن إسماعيل
البخاري رحمه ، فقد صنف في ذلك كتابا خاصا أسماه "خلق أفعال العباد"، ومما جاء فيه
(2/70) :
" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ
بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ : مَا زِلْتُ
أَسْمَعُ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ : إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ : حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ
وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ
الْمُثَبَّتُ فِي الْمُصْحَفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ
فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِخَلْقٍ ، قَالَ اللَّهُ تعالى : بَلْ هُوَ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فَأَمَّا الأَوْعِيَةُ فَمَنْ يَشُكُّ فِي
خَلْقِهَا ؟ ." انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" إذَا قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِأَصْوَاتِنَا الْمَخْلُوقَةِ
الَّتِي لَا تُمَاثِلُ صَوْتَ الرَّبِّ، فَالْقُرْآنُ الَّذِي نَقْرَؤُهُ هُوَ
كَلَامُ اللَّهِ ، مُبَلَّغًا عَنْهُ لَا مَسْمُوعًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ
بِحَرَكَاتِنَا وَأَصْوَاتِنَا، الْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِي ، وَالصَّوْتُ صَوْتُ
الْقَارِئِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ الْعَقْلِ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ
فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ
بِأَصْوَاتِكُمْ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 98) ، وينظر: "مجموع الفتاوى"
(12/ 53) .
وقال علماء اللجنة الدائمة
للإفتاء :
" الاعتقاد الواجب نحو القرآن وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة ودل عليه الكتاب
والسنة - أن القرآن كلام الله حقيقة ، حروفه ومعانيه ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ
وإليه يعود ، وهو كلام الله تعالى ، حيث تلي وحيث كتب ، قال الله تعالى : ( فِي
صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) عبس/13، 14 ، وقال سبحانه : (
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ )
البينة/ 2 ، 3 .
فالقرآن الذي نقرؤه هو كلام الله تعالى ، وإنما نقرؤه بحركاتنا وأصواتنا ، فالكلام
كلام الباري والصوت صوت القاري " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 /21) .
وينظر تفصيل هذه المسألة في "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (503-510) .
وينظر للاستزادة جواب السؤال
رقم : (215224) ، (219613)
.
والله تعالى أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق |
القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق |