عنوان الفتوى : حكم زيارة أسرة بعض أفرادها يقع في المحرمات
ما حكم زيارة أسرة غير ملتزمة؟ معذرة: شاهدت ابنهم يحضن ويقبل فتاة أجنبية عنه وعرفت أنها جارتهم، وذلك داخل مسكنهم الذي أزورهم فيه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم السائل أولا أنه لا يلزم مما شاهد أن تكون الأسرة كلها عاصية، فقد يكونون على غير علم بما شاهدت، وقد يكونون مغلوبين على أمرهم، فالحكم عليهم بعدم الالتزام لمجرد كون ابنهم غير ملتزم ظلم لهم وجور عليهم، والمسلمون يحملون على الصلاح ما لم يظهر منهم خلافه، أما إن كانت الأسرة المذكورة في الواقع أهل معاص: فالجواب أنه تشرع زيارة الأرحام والجيران ولو كانوا عصاة، وتتأكد إن ترتبت عليها مصالح شرعية كتقديم النصح لهم ودعوتهم للاستقامة والتوبة، أو ألفة قلوبهم لتكون هذه الألفة عونًا على ردهم إلى الحق، وأمن الإنسان على دينه من التأثر بواقعهم المنحرف، ولم يكن سبب الزيارة مناسبة ممنوعة في الشرع، ويدل لهذا زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب ولبعض اليهود، فقد دعاه يهودي لطعام صنعه له واستجاب لدعوته، كما في حديث المسند، وإن كانت المصلحة الشرعية في ترك زيارتهم دفعًا للضرر الذي قد يلحق دينك بسبب زيارتهم، أو هجرًا لهم على ما هم فيه من المعاصي بحيث ترجو أن يكون هذا الهجر زاجرًا لهم عن الوقوع فيها، فحينئذ يكون ترك الزيارة أولى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم. اهـ.
والله أعلم.