عنوان الفتوى : قول ابن تيمية أن الله فوق العرش
ما رأيكم فيما قاله ابن تيمية في رسالته العقيدة الحموية من أن الله فوق العرش؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فيقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل: فرأينا وقولنا واعتقادنا هو ما كان عليه سلفنا الصالح من وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما أَوَّلَ أكثر الخلف الآيات والأحاديث في مثل هذه المسألة هربًا من لوازمها التي هي لوازم الأجسام فقالوا : إذا قلنا : إنه تعالى مستوٍ على العرش ، أو فوق عباده أو في السماء كما ورد ، لزم من ذلك أنه جسم محدود له طول وعرض ، وأنه متحيز تحصره الجهات ، وكل هذا محال على الله تعالى بالبرهان العقلي .. وظنوا أن وصفه بالعلم والإرادة والقدرة وغيرها من صفات المعاني التي يذكرونها في كتبهم الكلامية لا يستلزم شيئًا من لوازم المخلوقات.
والصواب أن جميع الألفاظ التي يوصف بها الخالق عز وجل قد وضعت للمخلوقات، وعقيدة التنزيه تنفي مشابهته تعالى لشيء من خلقه، فالمسلم المؤمن بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يجمع بين آيات التنزيه وآيات الصفات فيؤمن بالمعنى الشريف الذي وصف الله به نفسه وبالآيات التي نزه بها نفسه عن مشابهة خلقه.
قال تعالى : [ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ]( الشورى : 11 ) وكل من لفظ السميع والبصير قد وُضع لمعنى له مثل، فنقول : إنه سميع بصير ولكن سمعه وبصره ليس كسمع أحدنا وبصره، بل هو أعلى من ذلك كما يليق بكمال ربنا وتنزيهه، وقال تعالى : [ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُواًّ كَبِيراً ]( الإسراء : 43 ) فكلمة (سبحانه) تدل على التنزيه، وكلمة ( علوًّا ) يلزم منها التشبيه، فنؤمن بكل منهما على أن التنزيه، ينفي اللازم لكلمة التشبيه، فنقول : إن علوه تعالى ليس كعلو سقف البيت على أرضه، بل هو علوّ يليق بكمال ربنا وتنزيهه، ولو لم يطلق عليه سبحانه الكلم الذي استعمله الناس الذين بعث الله رسله لهدايتهم لما أمكن التعبير عن مقام الألوهية بشيء، إذ لا يخاطب الرسل الناس إلا بما يعرفون .
ولهذا ذهب بعض المدققين كالغزالي إلى أن لفظ القدرة إذا أطلق على صفة الله تعالى التي بها يوجد ويعدم يكون استعارة إذ لا يوجد في اللغة كلمة تدل على كنه تلك الصفة؛ لأنه معنى لم تلمحه عين أحد من واضعي اللغات فيضعوا له لفظًا يدل على كنهه..ومثل هذا يقال في جميع صفات الله تعالى .
فعليك بعقيدة السلف، ولا يصدنك عنها شقشقة مقلدة الخلف، وإن غالى بعضهم فتجرأ على تكفير كل مؤمن بالقرآن، ويدعي أنه ينصر بذلك الإسلام ويقيم دعائم الإيمان، الذي اعتمد فيه على نظريات فلسفة اليونان .
والله أعلم .