أرشيف المقالات

فتى يشيد القرآن بفعله!

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
فتى يشيد القرآن بفعله!


كان إبراهيمُ فتًى يافعًا حينما حطَّم الأصنام، وكان الذين احتموا بالكهف هربًا مِن الحاكم الطاغية والواقع السيئ فتيةً، وكان الذي تصدَّى للملك الطاغية الذي فتَن الناس في دينِهم وادَّعى الألوهية فتى أيضًا.
 
هذه ثلاثة نماذج وجَب الوقوف عندها للعِبرة والعِظة، لا تظن أن الأمر هيِّن ويَسير، لقد كانت وقفتهم تلك تقفُ الشَّجاعة نفسُها احترامًا وإجلالاً لها.
 
رغْم حَداثة أسنانِهم فهم لم يُقاوِموا نزَق شهوةٍ، أو شُهرة، أو طيش الشباب وتَصابيهم، إنَّهم لم يُعلنوا التمرُّد على قِنِّينَة خمر أو جلسة غانية، كلا، الأمر أعظم مِن ذلك!
 
فإبراهيم - عليه السلام - حطَّم الآلهة التي تتوجَّه إليها البلدة بأكملِها كلَّ يوم في عبادتها وقضاء حوائجها، رمز الديانة والقداسة، فهل كان إبراهيم يَجهل مصير ما سيُقدُم عليه؟ كلا، كان يُدرك جيدًا أنَّ الموت هو مصيره المَحتوم، ومع هذا لم يُبالِ ولم يتردَّد، وجعلها جذاذًا ليُقيم عليهم حجَّته الدامِغة؛ إنها جَمادات لا تنفَع ولا تضرُّ، ولو كانت كذلك لنفعَت نفسَها أولاً: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ...
[الأنبياء: 60].
 
وفي المشهد الآخَر، أولئك الفِتية الذين عافَتْ قلوبهم الشِّرك، فلم يكن أمامهم إلا أن يفرُّوا بدينِهم وبإيمانهم مِن أمام طاغية لا يَعترف بإلهٍ إلا هو، هل كانوا لا يُدركون خطورة ما أقدَموا عليه، كلا، كانوا يعلمون أنهم سيُفارقون الوطن وما فيه مِن أحباب، مقابل ماذا؟ مقابل العقيدة، فهانت عندهم كل هذه المحبوبات ليَفوزوا بحبِّ الله تعالى فاستحقُّوا هذا التكريم؛ ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13].
 
ولا يقلُّ المشهد الثالث سخونةً عن سابقيه، وبطلُه فتى - بل غلام - صغير، يَقفُ وحيدًا كالطود الأشمِّ في وجه طاغية بلده، تعالتْ نفس ذلك الفتى عما كان عليه أقرانه مِن اللعب واللهو، واستشعَرَ عظمة الفِتنة التي جاست خلال الديار وأجبَرَت الناس أن يَدينوا بالعبودية للطاغية، وصيَّرهم عبيدًا له من دون الله؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10].
 
كان الموقف مهيبًا لا يتصوَّره حسٌّ ولا عقل، كيف يجرؤ هذا الغلام الصغير على اتخاذ موقِف الندِّ العنيد في وجه طاغية يَملك الجند والحرس والقادة؟ إنه الإيمان، القوة الحقيقية والدافع القوي للثبات والصمود.
 
نماذج ثلاثة، أبطالها فتية قاوموا الطغيان، لا يَملكون قوة مادية إلا جذوة الإيمان تَشتعل في قلوبهم، فأبت إلا أن تَنتصر لله وتقول كلمة حق في وجه حاكم جائر ظالم.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير