عنوان الفتوى : شرح قوله صلى الله عليه وسلم : (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قرأت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرجل مع من أحب يوم القيامة. فماذا لو كان هناك فتاة يحبها خمسة أو ستة أولاد، فكيف سيكون الجميع مع الفتاة نفسها يوم القيامة؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
روى البخاري (6169) ، ومسلم (2640) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) " .
وروى البخاري (3688) ، ومسلم (2639) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ: ( وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ) ؟
قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) .
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) !!
قَالَ أَنَسٌ: " فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " .
فهذا الحديث ورد في المحبة الإيمانية الشرعية ، التي أمر الله بها عباده ، وندبهم إليها ، وهي من عرى الإيمان ، بل من أوثق عرى الإيمان وعلاماته : أن يحب الرجل أخاه ، لا يحبه لدنيا ولا مال ولا جاه ؛ إنما يحبه لله جل جلاله .
قال ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلُهُ : (إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) أَيْ: مُلْحَقٌ بِهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ " .
انتهى من " فتح الباري" (10/ 555) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْمُحِبِّ مَعَ الْمَحْبُوبِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ لَا يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ " انتهى من " مجموع الفتاوى" (10/ 752) .
وأما هذا الذي ذكرته : فإنما هي محبة فسوق وعصيان ، وعمل من أعمال الشيطان ، وحبل من حبالاته ، يوقع به من أطاعه منهم ، فيخشى على أمثال هؤلاء أن يجتمعوا معا ، في سوء المآل ، والعياذ بالله . قال تعالى :( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) الصافات/ 22-23 .
قال عُمَرَ رضي لله عنه : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) قَالَ : " أَشْبَاهَهُمْ ، قَالَ: يَجِيءُ صَاحِبُ الرِّبَا مَعَ أَصْحَابِ الرِّبَا، وَصَاحِبُ الزِّنَا مَعَ أَصْحَابِ الزِّنَا، وَصَاحِبُ الْخَمْرِ مَعَ أَصْحَابِ الْخَمْرِ " .
انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 9) ، وينظر : "تفسير السعدي" (ص 701) .

وقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) التكوير/ 7 .
قال ابن القيم رحمه الله :
" أَيْ : قَرَنَ كُلَّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ ، فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ ، وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ ، فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ، شَاءَ أَوْ أَبَى " انتهى من "زاد المعاد" (4/ 248) .
ولا شك أن محبة النساء الأجانب والتعلق بهن محبة في معصية الله ، وضرر ذلك على المرء في خلقه ودينه معلوم .
والتعلق بالنساء لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى ، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه ، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك .
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره ، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه ، امتلأ بمحبة النساء ، والتعلق بالصور ، وسماع الغناء .
انظر جواب السؤال رقم : (82941) .

والله تعالى أعلم .