عنوان الفتوى : الحب في الله من أوثق عرى الإيمان .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل الحب في الله والقيام بحقوقه ومقتضياته عباده وقربة إلى الله تعالى؟ هل هي بمثابة العبادة النافلة أو الحج كما قال الحسن البصري لأحد الرجال يا أعمش ألا تعلم أن الخروج في حاجة أخيك حجة من بعد حجة ، هل كان يقولها له على سبيل التحفيز أم فعلاً ثوابها هكذا ؟ وكيف يصل الإنسان بمن أحبه في الله إلى أن يقف في ظل الرحمن وتجب لنا محبته ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا :
الحب في الله من أوثق عرى الإيمان ، ومن أعظم القواعد التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي ، به يحصل الوداد والوئام بين الناس ، فيتحابون ويتزاورون ويتناصحون ويتناسبون ويأتمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر ، وبه يحققون معنى الأخوة الإسلامية ، وبه يجدون حلاوة الإيمان في معاملاتهم ومصاحباتهم ومعاشراتهم .
وقد روى أحمد (18524) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ( إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ ) .
وحسنه محققو المسند ، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (3030) .
راجع جواب السؤال رقم : (173) ، (114926) .
فالحب في الله من أعظم القرب وأفضل الأعمال .

وروى البخاري (13) ، ومسلم (45) ، والنسائي (5017) - واللفظ له - عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْكِرْمَانِيّ : وَمِنْ الْإِيمَان أَيْضًا أَنْ يُبْغَض لِأَخِيهِ مَا يُبْغَض لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّرّ " انتهى من " فتح الباري" (1/58) .
فإذا كان الإيمان الواجب لا يتم إلا بمحبة الخير للمسلم ، وبغض الشر له : فنفس محبة المسلم ، وموالاته : أولى من ذلك ، وأعلى مقاما .

ثانيا :
روى ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" (103) وفي " اصطناع المعروف " (163) من طريق الْحَكَم بْن سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ : " بَعَثَ الْحَسَنُ مُحَمَّدَ بْنَ نُوحٍ ، وَحُمَيْدًا الطَّوِيلَ فِي حَاجَةٍ لِأَخِيهِ ، فَقَالَ: مُروا ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَأَشْخِصُوا بِهِ مَعَكُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ ثَابِتٌ : إِنِّي مُعْتَكِفٌ ، فَرَجَعَ حُمَيْدٌ إِلَى الْحَسَنِ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَ ثَابِتٌ، فَقَالَ لَهُ: " ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: يَا عُمَيْشُ! أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ مَشْيَكَ فِي حَاجَةِ أَخِيكَ : خَيْرٌ لَكَ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ ؟ "
وهذا إسناد ضعيف ، الحكم بن سنان ضعيف الحديث ، ضعفه ابن معين ، والنسائي ، وابن سعد ، وأبو داود ، وغيرهم ، وقال ابن حبان : ممن تفرد عن الثقات بالأحاديث الموضوعات، لا يشتغل به " انتهى من " تهذيب التهذيب" (2 /367) .
وعلى فرض صحته : فهو محمول على مزيد التأكيد والحث على قضاء حوائج المسلمين .

وأصح من ذلك : حديث ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فِي مَسْجِدِي هَذَا ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَقْضِيَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ ) .
رواه الطبراني (13646) وابن بشران في "الأمالي" ، وغيرهما ، وحسنه الألباني في " الصحيحة " (906) .

وقد روى ابن المبارك في " الزهد" (746) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَاجَةٍ ، فَوَجَدَهُ مُعْتَكِفًا ، فَقَالَ: لَوْلَا اعْتِكَافِي لَخَرَجْتُ مَعَكَ ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَكَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِه ِ، فَأَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ ، فَخَرَجَ مَعَهُ لِحَاجَتِهِ ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كَرِهْتُ أَنْ أُعِينَكَ فِي حَاجَتِي ، وَلَقَدْ بَدَأْتُ بِحُسَيْنٍ فَقَالَ: لَوْلَا اعْتِكَافِي لَخَرَجْتُ مَعَكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: " لَقَضَاءُ حَاجَةِ أَخٍ لِي فِي اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ " .

قال الشيخ -ابن عثيمين رحمه الله :
" قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف ، لأن نفعها متعد ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر ، إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجبات الإسلام " انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (20/ 180) .
ثالثا :
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا له : ( رَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ) كما في الحديث الصحيح المتفق عليه .
وروى أحمد (22002) عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَحَقَتْ مَحَبَّتِي للمتزاورينَ في ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَصَافِينَ فِيَّ الْمُتَوَاصِلِينَ ) .
وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4321) .

ويمكن أن يصل العبد إلى هذه المنازل العالية والمراتب السامية بصدق المحبة ، وإخلاصها لله ، والتعاون فيها على البر والتقوى ، والتناصح بالخير ، والاجتماع على الطاعات ، ونبذ المنكرات من الأقوال والأعمال ، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، ويفرح لفرحه ، ويحزن لحزنه ، ويعينه على طاعة الله وما أهمه من أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظه في غيبته ، ولا يتأخر عن مساعدته أو مساعدة أحد من أهل بيته ، وأن يذكره بالثناء الحسن ، ويستر عورته ، ولا يغتابه ، ولا يبهته ، ويعامله معاملة أخيه من النسب ، بل أفضل من ذلك .
وبالجملة : يعامله بكل معروف يحب أن يعامَل هو به ، من قول أو فعل في غيبته وشهادته .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (199047) .
والله تعالى أعلم .