عنوان الفتوى : هل يجب على المشاة التقيد بالإشارات المرورية الخاصة بهم؟
كما هو معروف على الصعيد العالمي، فعلى كل سائق سيارة أن يحترم إشارات المرور. لكن هل الإسلام يفرض على الراجلين أن يحترموا الإشارات الخاصة بالراجلين كالممر الخاص بهم، والضوء الأحمر، والضوء الأخضر أيضا؟ أم يمر من أي مكان ومتى يريد حتى ولو كان الضوء الأخضر للسيارات مشتعلا؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في قرار للمجمع الفقهي في موضوع حوادث السيارات: إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجبٌ شرعاً؛ لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة ... اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ عن حكم الإسلام في الشخص الذي يخالف أنظمة المرور كأن يتجاوز الإشارة مثلا وهي مضيئة اللون الأحمر؟
فقال: لا يجوز لأي مسلم أو غير مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور؛ لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره ... فلا يجوز لأي أحد أن يخالف ذلك، وللمسؤولين عقوبة من فعل ذلك بما يردعه وأمثاله؛ لأن الله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .. اهـ.
وجاء في نشرة "التوعية المرورية" في إحدى المسابقات التي تقوم عليها جامعة الملك سعود:
* تقدر منظمة الصحة العالمية (سنة 1996) أن عدد القتلى من هذه الحوادث يصل إلي 250.000 فرد (ربع مليون) كل عام، وأنه في مقابل كل قتيل من هؤلاء القتلى يوجد 10 - 15 شخصاً لديهم إصابات جسمية.
* إن الأشخاص ينتقلون عادة من مكان لآخر إما سيراً على الأقدام، أو باستخدام الدراجات أو السيارات، ولهذه الوسائل مخاطر مختلفة، يجب أن يعرفها الجميع وبخاصة الأطفال .. ومن هنا فلا بد من تدريبهم لتجنب التصرفات والسلوكيات التي ينتج عنها تلك الحوادث المؤلمة. والحوادث التي تقع للمشاة، وراكبي السيارات غالباً ما تتركز أسبابها على كثرة أعداد السيارات، وضعف معرفة المشاة للتعليمات التي يجب اتباعها لسلامتهم، وكذلك عدم معرفة سائقي السيارات بتصرفات المشاة، وتجاوز سائقي السيارات السرعة التي حددها نظام المرور، وعدم اتباع السائقين والمشاة للإشارات المرورية .. وغيرها من المخالفات الأخرى. اهـ.
وقال القاضي محمد تقي العثماني في بحث: (قواعد ومسائل في حوادث السير) المنشور في (مجلة مجمع الفقه الإسلامي): استخلص الفقهاء المتأخرون قواعد فقهية في هذا الباب، وأرى من المناسب أن أذكر هذه القواعد بشيء من شرحها، وكيفية تطبيقها على حوادث المرور:
ـ القاعدة الأولى: "المرور في طريق العامة مباح بشرط السلامة" هذه القاعدة ذكرها غير واحد من الفقهاء. وحاصلها أن السير في طريق العامة حق لكل إنسان، ولكن استعمال هذا الحق مقيد بأن لا يحدث ضررا بغيره فيما يمكن التحرز عنه.
وقال العلامة خالد الأتاسي رحمه الله: "والأصل أن المرور في طريق المسلمين مباح بشرط السلامة، بمنزلة المشي؛ لأن الحق في الطريق مشترك بين الناس، فهو يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه، فالإباحة مقيدة بالسلامة" .. اهـ.
وعلى ذلك، فلا يجوز للمشاة أن يخالفوا قوانين وقواعد المرور الخاصة بهم؛ لما في ذلك من تعريض أنفسهم وغيرهم للضرر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني. وراجع في شرح هذا الحديث الفتوى رقم: 125496.
ومع ذلك، فإننا ننبه على أن هذا الحكم وأمثاله ليس تعبدياً، بل هو موضوع للمصلحة، فإن افترض وجود حالات يمتنع فيها الإضرار بالنفس وبالغير مع مخالفة القواعد، فلا يحكم حينئذ بالحرمة؛ وراجع الفتويين: 195783، 19490.
والله أعلم.