عنوان الفتوى : أدلة جواز خروج النساء لبعض العبادات والحاجات
إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه ـ فما رد حضرتكم على أن هذا الحديث يمنع الاختلاط وتواجد المرأة في الشارع ويمنعها من العمل وطلب العلم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال المناوي في فيض القدير في شرح الحديث: شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال، يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة. انتهى.
فالحديث لا يدل على منع المرأة من الاختلاط، أو الخروج للشارع ـ كما ذكرت ـ
وأما عن حكم خروج النساء للشوارع: فإن الله تعالى أمر النساء بالقرار في بيوتهن، فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب: 33}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين لما حج بهن في حجة الوداع: هذه، ثم ظهور الحصر. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
وقد جوز لهن الخروج لبعض العبادات والحاجات عند أمن الوقوع في الريبة، فجوز لهن الخروج للصلاة في المسجد وحضور صلاة العيد ومجالس العلم، إضافة إلى الحج والعمرة والحوائج التي يحتجن للخروج إليها، إن كان لإحداهن عمل، أو حاجة تريد شراءها وتأكدت من الأمان من الوقوع في المحظور عند خروجها من البيت، ويدل لجواز حضورهن مجالس العلم ما في البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال يا رسول الله، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن النبي صلى الله عليه وسلم يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن.
ويدل لجواز خروجهن للحاجات ما في حديث البخاري عن عائشة قالت: خرجت سودة بنت زمعة ليلاً فرآها عمر فعرفها، فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعشى، وإن في يده لعرقاً، فأنزل الله عليه فُرفع عنه وهو يقول: قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن.
وقد ثبت خروج بعض النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى.
قال النووي رحمه الله: فِيهِ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِنَّ فِي السَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ وَنَحْوِهِمَا، وَهَذِهِ الْمُدَاوَاةُ لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَسُّ بَشَرَةٍ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وَيَجُوزُ الاخْتِلاطُ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ مَشْرُوعَةٌ مَعَ مُرَاعَاةِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ خُرُوجُ الْمَرْأَةِ لِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ وَصَلاةِ الْعِيدِ، وَأَجَازَ الْبَعْضُ خُرُوجَهَا لِفَرِيضَةِ الْحَجِّ مَعَ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ مِنَ الرِّجَالِ، كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ مُعَامَلَةُ الرِّجَالِ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ مَالِكٌ عَنِ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ الْكَبِيرَةِ تَلْجَأُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَقُومُ لَهَا بِحَوَائِجِهَا، وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ، هَلْ تَرَى ذَلِكَ لَهُ حَسَنًا؟ قَالَ: لا بَأْسَ بِهِ، وَلْيُدْخِلْ مَعَهُ غَيْرَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّاسُ لَضَاعَتْ. اهـ.
وأما الاختلاط المحرم فهو: الاجتماع بين الرجل والمرأة التي ليست بمحرم، أو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم، بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، أو اللمس، مع تبذل المرأة وعدم احتشامها.
وخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية على أي حال من الأحوال تعتبر اختلاطاً، وانظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ـ2ـ290ـ عودة الحجاب، لمحمد أحمد إسماعيل المقدم ـ 3ـ52.
وقد دل الكتاب والسنة على منع الاختلاط بين الجنسين بهذا المعنى وتحريمه وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه، وسبق بيان هذا في الفتاوى التالية أرقامها: 3539، 129462، 194615.
والله أعلم.