أرشيف المقالات

حكم بيع الصك (الشيك) نقدا

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
حكم بيع الصك (الشيك) نقدًا
 
قد تلجأ بعض الدول نتيجة عدم توفر السيولة النقدية إلى إعطاء من يتعامل معها من التجار أو المستوردين وغيرهم، أو من تشتري منه المحصول الزراعي من الفلاحين صكًّا أو شيكًا مضمونًا بثمن المحصول، مؤجل الدفع، على أن يستلم المبلغ بعد حين، وقد يلجأ بعضهم إلى بيع هذه الصكوك بسعر أقل من قيمتها النقدية، فهل يجوز ذلك؟ هذا ما ستناوله بإذن الله تعالى في هذه السطور وباختصار.
 
فقد عرَّف العلماء الصك أو الشيك بأنه: عبارة عن ورقة مالية أو محرر مكتوب وفقًا لشروط مذكورة في القانون يتضمن أمرًا صادرًا من شخص هو الساحب إلى شخص آخر يكون معروفًا هو المسحوب عليه، بأن يدفع لشخص ثالث أو لحامل الشيك وهو المستفيد.
 
ويشترط في إصداره وجود رصيد في البنك لمن أصدره، ويُختم بختم البنك، بشرط وجود أموال كافية في الحساب لتغطية الشيك، ويتم حجز مبلغ الشيك إلى أن يتم صرفه، فالشيك المصدق يعد من قبيل الأوراق المالية؛ لأنها مضمونة من خلال البنك.

وعليه، فإن هذه الصكوك الحكومية الرسمية تمثل ديونًا لأصحابها على الدولة، ومن ثَمَّ فتطبق عليها أحكام الدين في الشرع، وبيع الدَّين بالدَّين قد انعقد الإجماع على تحريمه.
 
قال الإمام النووي في المجموع [10/ 107]: "وقد أجمع أهل العلم على أن بيع الدَّين بالدَّين لا يجوز، نَقَلَ ذلك ابن المنذر، وقال: قال أحمد: جماع الأئمة ألَّا يُباع دين بدين".
 
قال الإمام ابن قدامة المقدسي في المغني [4/ 186]: "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز، وقال أحمد: إنما هو إجماع، وقد روى أبو عبيد في الغريب: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ))؛ وفسَّره بالدين بالدين".
 
وقال الإمام ابن القطان الفاسي في الإقناع في مسائل الإجماع [2/ 234]: "وأجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم، على أن بيع الدين بالدين لا يجوز".
 
والكالئ معناه: المؤخَّر؛ وهو الدين؛ وسمي بذلك لأنه متأخر، لتأجيل تسليمه عند العقد، ومعنى بيع الكالئ بالكالئ هو بيع الدين بالدين، ويُطلَق عليه أيضًا: بيع النسيئة، ومعنى النسيئة: التأخير.
 
والحكمة من تحريم بيع الدين بالدين: هو إن كان البيع للمَدين نفسه، فإن ذلك يفضي للربا غالبًا، وإن كان لغير المدين فقد يفضي للربا، أو يكون من باب المخاطرة والمقامرة، أو من باب ربح ما لم يضمن.
 
وعلى هذا، فلا يجوز بيع هذه الصكوك بأقل من قيمتها نقدًا؛ لأنه صرف يتأخر قبض أحد عِوَضَيه، والصرف لا بد فيه من التقابض في المجلس؛ لأن في هذا ربا النسيئة، وإذا كان بأقل اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة، هذا بالإضافة إلى ما فيه من غَرَرٍ؛ لأن دافع النقد في الحال قد يجد دَينه، وقد لا يجده فيخسر.
 
وقد رُوي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مِثلًا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز))، ومعنى تشفوا: تزيدوا أو تنقصوا.
 
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في القواعد [1/ 84]: "بيع الصِّكاك قبل قبضها وهي الديون الثابتة على الناس، وتسمى صكاكًا؛ لأنها تكتب في صكاك؛ وهي ما يُكتب فيه من الرَّق ونحوه، فيُباع ما في الصك، فإن كان الدَّين نقدًا وبِيع بنقد، لم يجُزْ بلا خلاف؛ لأنه صرف بنسيئة".
 
ومن البدائل الشرعية عن هذه المعاملة المحرمة كما قرر العلماء هو أن يبذل صاحب الصك مبلغًا من المال لمن يقدر على استخلاص دينه، إما على سبيل الأجرة، وإما على سبيل الجعالة، وأما إذا كان المال عند جهة ظالمة مماطلة، فيجوز له بذل المال لاستحصال حقه، ولو بالرشوة، والإثم على آخذها، وليس على المضطر لاستيفاء حقه.
 
ومن البدائل لهذه المعاملة ما ذكره قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في 30/6/2006م، قرار رقم 158 (7/17)؛ حيث نص على ما يأتي: "من صور بيع الدين الجائزة:
1- بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية:
أ- بيع الدين الذي في الذمة بعملة أخرى حالَّة، تختلف من عملة الدين، بسعر يومها.
ب- بيع الدين بسلعة معينة؛ مثل: العَقَار، أو السيارة.
ج- بيع الدين بمنفعة عين معينة، في مقابل تأجير عقار، أو السيارة مثلًا.
 
2- بيع الدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصودة من البيع".
 
ومع هذا يبقى هناك الغرر والجهالة؛ لأن دافع النقد في الحال مقابل هذا الصك المؤجل قبضه، قد يحصل على الدين وقد لا يحصل عليه، فيخسر ما دفعة مقابل هذا الصك.
 
الخلاصة:
عدم جواز بيع هذه الصكوك بأقل من قيمتها نقدًا؛ لأنه صرف يتأخر قبض أحد عوضيه، والصرف لا بد فيه من التقابض في المجلس؛ لأن في هذا ربا النسيئة، وإذا كان بأقل اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة، هذا بالإضافة إلى ما فيه من غرر؛ لأن دافع النقد في الحال قد يحصل على دينه، وقد لا يحصل عليه، فيخسر ما بذل مقابل هذا الصك المؤجَّل.
 
ولكن يجوز لصاحب هذا الصك المؤجل أن يدفع مبلغًا من المال لمن يقدر على استخلاص دينه، إما على سبيل الأجرة، وإما على سبيل الجعالة.
 
وأما إذا كان المال عند جهة ظالمة مماطلة، فيجوز له بذل المال لاستحصال حقه، والإثم على من أخذ، وليس على المضطر الذي دفع لاستيفاء حقه، كما قرر ذلك العلماء، والله تعالى أعلم.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن