عنوان الفتوى : الغسل الكامل، والغسل المجزئ
قلتم في الفتوى رقم: 6133: (فإن للغسل من الجنابة صفتين: أـ صفة للغسل الواجب الذي من أتى به أجزأه، وارتفع حدثه، وهو ما جمع شيئين: الأول: النية، وهي أن يغتسل بنية رفع الحدث، والثاني: تعميم الجسد بالماء. ب ـ صفة الغسل الكامل وهو: ما جمع بين الواجب والمستحب، ووصفه كالآتي: يغسل كفيه قبل إدخالهما في الإناء، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كاملاً، أو يؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل، ثم يفرق شعر رأسه فيفيض ثلاث حثيات من ماء، حتى يروى كله، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم يفيض الماء على شقه الأيسر. هذا هو الغسل الأكمل والأفضل ) فتحيرت حيث إنني كنت أغتسل الغسل المجزئ (بالصدفة) حيث كنت أعمم البدن بالماء والحمد لله. ولكن بعد رؤية تلك الفتوى قررت أن أغتسل الغسل الكامل فصرت أغتسل كالآتي: أتوضأ الوضوء للصلاة كاملاً، ثم أعمم الأعضاء دون الأعضاء التي غسلتها في الوضوء.أي إنني كنت أعتقد أن هذا الوضوء تابع للغسل وليس وضوءاً منفصلاً، وبالتالي لم أغسل الأعضاء التي غسلتها سابقاً فمثلاً الذراعان إذا غسلتهما في الوضوء لا أعيد غسلهما في باقي الغسل، وكذلك باقي أعضاء الوضوء. فتحيرت في الأمر وعند ما راجعت الفتوى السابقة لاحظت أنكم قلتم (ثم يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم يفيض الماء على شقه الأيسر) فاستنتجت أن من الشق الأيمن الذراعين والرجلين، وكذلك الشق الأيسر، وكذلك الوجه وسائر الأعضاء. ولكن هناك شيء أعطاني أملا أنكم قلتم: (أو يؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل) فاستنتجت أن ذلك الوضوء المقصود ليس وضوء منفصلاً بل إنه من الغسل حيث إن من شروط الوضوء الموالاة. وشكراً. وأرجو أن تكون الإجابة واضحة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغسل يعد كاملا، ولو لم تُعِد غسل أعضاء الوضوء.
قال في الإقناع: والغسل الكامل أن ينوي، ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثا، ثم يغسل ما لوثه من أذى، ثم يضرب بيديه الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا، ثم يتوضأ كاملا، ثم يحثي على رأسه ثلاثا، يُرَوي بكل مرة أصول شعره، ثم يفيض الماء على بقية جسده ثلاثا يبدأ بشقه الأيمن، ثم الأيسر، ويدلك بدنه بيده، ويتفقد أصول شعره، وغضاريف أذنيه، وتحت حلقه، وإبطيه، وعمق سرته وحالبيه، وبين إليتيه، وطي ركبتيه. ويكفي الظن في الإسباغ. ثم يتحول عن موضعه فيغسل قدميه ولو في حمام ونحوه. وإن أخر غسل قدميه في وضوئه فغسلهما آخر غسله فلا بأس.
وظاهر هذا النقل أنه يغسل باقي الجسد لا كله.
قال ابن عبد البر: وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ لِحَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: ((فَيُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ)) وَأَيُّوبُ ثِقَةٌ حَافِظٌ. قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لِهِشَامٍ: فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَقَالَ: وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لَا يُعِيدُ الْمُغْتَسِلُ غَسْلَهَا فِي غَسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَسَلَهَا فِي وُضُوئِهِ.
قال الماوردي في الحاوي: وهل يندب إلى غسل الرجلين بعد فراغه من الاغتسال؟ فيه قولان، حكاهما في " الإبانة " [ق27] . أحدهما: يندب إليه؛ لما روي في حديث ميمونة: «ثمّ تحوَّل عن مكانه، فغسل قدميه» . والثاني: لا يندب، كسائر أعضاء الوضوء. وذهب بعض أهل العلم إلى غسل جميع الجسد بما فيه أعضاء الوضوء؛ لما رواه البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم: أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله"
فقوله: على جلده كله يشمل ما أصابه ماء الوضوء، وما لم يصبه.
قال ابن حجر: ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ أَيْ بَقِيَّةَ جَسَدِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْغُسْلِ هُنَا عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ سَائِرَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَمِيعِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ.
قال العيني: (على جلده كُله) هَذَا التَّأْكِيد بِلَفْظ، الْكل، يدل على أَنه عمم جَمِيع جسده بِالْغسْلِ.
وقال: (سَائِر جسده) أَي: بَقِيَّة جسده، وَقد تقدم فِي رِوَايَة مَالك عَن هِشَام فِي أول كتاب الْغسْل: على جلده كُله. فَإِذا حملنَا لَفْظَة سائر، على معنى الْجَمِيع يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ.
والقول الأول أوجه.
قال ابن رجب: "وقوله: ((غسل سائر جسده)) يدل على أنه لم يعد غسل ما كانَ غسله منه قبل ذَلِكَ؛ لأن: ((سائر)) إنما تستعمل بمعنى: ((الباقي)) ، لا بمعنى: ((الكل)) ، على الأصح الأشهر عندَ أهل اللغة. وكذلك خرج مسلم حديث عائشة، من حديث أبي معاوية، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة - فذكرت الحديث، وفي آخره -: ((ثم أفاض على سائر جسده)) .
وهو - أيضاَ -: دليل على أنه لم يعد غسل ما مضى غسله منه.
وقال الصنعاني: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ وَقَدَّمَهَا تَشْرِيفًا لَهَا، ثُمَّ وَضَّأَهَا لِلصَّلَاةِ، لَكِنْ هَذَا لَمْ يُنْقَلْ أَصْلًا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَضَّأَهَا لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهَا الْمَاءَ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ لِلْجَنَابَةِ، وَلَكِنَّ عِبَارَةَ: أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، لَا تُنَاسِبُ هَذَا؛ إذْ هِيَ ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ أَفَاضَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ مِمَّا لَمْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ، فَإِنَّ السَّائِرَ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ؛ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالسَّائِرُ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ كَمَا تَوَهَّمَ جَمَاعَاتٌ. انتهى.
والأمر سهل، فلو أن الإنسان صب على نفسه الماء الغالب أنه يصيب جميع الجسد، وبالتالي يصدق عليه أنه غسل جلده كله.
والله أعلم.