عنوان الفتوى : حكم أخذ المعاش من التأمين
كان والدي يحصل على مرتب شهري من إحدى المؤسسات التأمينية (كمعاش) بعد مدة من العمل، وبعد وفاته انتقل هذا الراتب للوالدة، ما حكم هذا الراتب؟ وهل يعتبر من الإرث يتقاسمه الورثة؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، وبعد:
الجواب عن هذا السؤال يتضح من خلال التفصيل الآتي:-
لا يخلو الحال إما أن تكون هذه المؤسسة تعد من المؤسسات الحكومية يعتمد موردها أو بعضه على الخزينة العامة، فلا حرج في أخذ هذا المعاش لوالدكم -رحمه الله- أو المستحقين من بعده.
وإما أن تكون هذه المؤسسة تجارية محضة -فيكون حينها التأمين تجارياً- فلا يخلو الأمر من حالين:
الأول:- أن يكون والدكم قد أجبر من خلال نظام البلد على هذا العقد، فلا يظهر لي فرق حينئذ من حيث الحكم بين هذه الحالة وكون المؤسسة حكومية، باعتبار اتحاد المآل، ولا حرج على والدكم ومستحقي المعاش من بعده أن يأخذوه.
والثاني:- أن يكون التأمين تجارياً محضاً، وقد دخل والدكم فيه وهو طائع مختار غير مجبر أو مكره، فإن الأرجح والأظهر لدي بأن هذا التصرف منه محرم ولا يجوز، وعليه فلا يجوز له أن يأخذ من هذا المعاش إلا بقدر ما دفعه لهم، فإذا استرد حقه كاملاً فلا يأخذ منه لنفسه شيئاً، وإنما يستلمه من الشركة أو المؤسسة ويتصدق به ولا يتركه لهم يستعينون به على باطلهم.
وأما إن آل المعاش إلى غيره ممن لم يباشر العقد بنفسه، فهذا محل إشكال لدي، ذلك أن تحريم عقود التأمين التجارية -وإن كان الأظهر والأرجح هو تحريمها وهو قول جمهور العلماء المعاصرين- إلا أنها محل خلاف بين أهل العلم، فليس تحريمها قطعيا كالربا ونحوه من العقود، كما أنه لم يباشر العقد بنفسه بل آل إليه من تعامل غيره، ويمكن أن يستأنس بالقاعدة الفقهية التي تقول “يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء”، وتحريم التأمين من باب الوسائل لا المقاصد.
وعليه فنقول -والله تعالى أعلم- بأن والدتك -حفظها الله- ومن كان مثلها ممن تنطبق عليه هذه الحال إن كان التأمين تجارياً لا حكومياً، ولم يجبر عليه المورث، وقد تعاقد مع مؤسسة التأمين غير مجبر ولا مكره، فإن كان لها مصدر دخل يكفي احتياجاتها وهي غير محتاجة إليه، فالأولى لها ألا تأخذ منه إلا بقدر ما دفعه والدك للمؤسسة، وما زاد تتصدق به، وإن لم يكن لها مصدر دخل غيره، وهي محتاجة إليه فلتنفقه على نفسها بقدر ما تحقق لنفسها الكفاية، وما زاد تتصدق به.
وأما الشق الثاني من السؤال: هل هو ميراث؟ فأقول: لا يلزم أن يكون كذلك، بل المرجع في هذا هو النظام الذي يحكمه هذا المعاش التقاعدي، إن كان حكومياً، أو وثيقة التأمين، أو كان غير ذلك، فإن كان ينص على أنه يأخذ أحكام الميراث فهو كذلك، وإن كان ينص على أنه لا يستحقه جميع الورثة، بل تحكمه شروط وأحوال مفصلة فيه فهو على ما نص عليه، وإن كان -حسب علمي- أن المؤسسات التقاعدية في أكثر البلدان لا تعتبره ميراثاً، بل هو استحقاق تحكمه ضوابط وشروط.
هذا ما تلزم الإجابة عنه وتوضيحه. والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أعلم.
نقلا عن موقع الإسلام اليوم
ويمكنكم قراءة الفتوى التالية:
من يستحق المعاش من الورثة؟