عنوان الفتوى : حكم من أرضعته امرأة يومًا وليلة ولا يعلم عدد الرضعات
لديّ أم من الرضاعة، ورضاعتي منها كانت قبل أربعين عامًا، حيث كانت هي ووالدتي في العمرة فتعبت أمي التي وضعتني وطلبت من أمي الثانية أن ترضعني، وكان زوجها موجودًا ولم يمنعها من ذلك، وكذلك والدي، ورضعت منها - حسب كلامها, وكلام أمي وجدتي - طيلة يوم وليلة، ومنذ عرفت أنها أمي لم أقطعها، بل أصلها، أما بالنسبة لأخواتي: فإحداهن كانت تصلني، وبعد زواجها منعها زوجها، حيث قال: إن ذلك لا يجوز، والثانية منعها زوجها، فلم ألحّ عليها؛ لأن ذلك من حقه، وفي هذا العام طلب مني بعض بنات إخواني أن أسلم عليها, وأن أقابلهن وأتواصل معهن، فلم أرفض ذلك، ورفض بعضهن, وادّعين أن عدد الرضعات غير معلوم, وأنها غير مشبعة، والبعض منعهن أهلهن ولم ألحّ عليهم في ذلك، وعند سؤالي لوالدتي عن عدد الرضعات, قالت: لا أعلم عدد الرضعات بعد هذا العمر, ولا أعرف هل هي مشبعة أم لا؟ وقالت: أنا أمك، فمن أحب أن يتواصل معك فليتواصل، والذي لا يرغب فالأمر عائد إليه, وأرغب في فتوى تريحني وتريح الجميع؛ لأنهم محتارون في الأمر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت المرضعة أرضعتك يومًا وليلة فيغلب على الظن أن الخمس رضعات قد حصلت، ولكن القائلين بوجوب الخمس رضعات يشترطون أن تكون محققة معلومة، ولا يعتبرون المشكوك فيه؛ لما ورد عن عائشة, قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن, ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.
ولا يشترط في الرضعة أن تكون مشبعة، قال في المغني في باب الرضاع: المسألة الأولى: أن الذي يتعلق به التحريم خمس رضعات فصاعدًا، هذا الصحيح من المذهب، وهو مذهب الشافعي، ثم قال: والمرجع في معرفة الرضعة إلى العرف؛ لأن الشرع ورد بها مطلقًا ولم يحددها بزمن ولا مقدار، فدل ذلك على أنه ردهم إلى العرف، فإذا ارتضع الصبي وقطع قطعًا بينًا باختياره كان ذلك رضعة، فإن عاد كانت رضعة أخرى، فأما إن قطع لضيق نفس، أو للانتقال من ثدي، أو لشيء يلهيه، أو قطعت عليه المرضعة، فإن لم يعد قريبًا، فهي رضعة، وإن عاد في الحال، ففيه الوجهان، أحدهما: أن الأول رضعة، فإذا عاد فهي رضعة أخرى، قال: والوجه الثاني: أن جميع ذلك رضعة، وهو قول الشافعي.
وقال أيضا: وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كمل أو لا؟ لم يثبت التحريم؛ لأن الأصل عدمه فلا نزول عن اليقين بالشك. اهـ.
وجاء في تحفة المحتاج للهيتمي: ولو شك هل رضع خمسًا أم ـ الأفصح، أو ـ أقل، أو هل رضع في الحولين، أم بعد، فلا تحريم؛ لأن الأصل عدمه، ولا يخفى الورع هنا، وحيث وقع الشك للكراهة حينئذ ـ كما هو ظاهر ما مر ـ أنه حيث وجد خلاف يعتد به في التحريم وجدت الكراهة، ومعلوم أنها هنا أغلظ؛ لأن الاحتياط هنا ينفي الريبة في الأبضاع المختصة بمزيد احتياط, ثم في المحارم المختصة باحتياط أعلى فتأمله. اهـ.
قال الطبلاوي في حاشيته على التحفة: قول المتن: لو شك إلخ، عبارة المغني: ولا بد من تيقن الخمس رضعات، وتيقن كون الرضيع قبل الحولين، فعلى هذا لو شك في رضيع هل رضع .. إلخ، أو في دخول اللبن جوفه، أو دماغه، أو في أنه لبن امرأة أو بهيمة، أو في أنه حلب في حياتها، فلا تحريم .... ثم نقل عن علي الشبراملسي أنه قال: المراد بالشك مطلق التردد, فيشمل ما لو غلب على الظن حصول ذلك لشدة الاختلاط, كالنساء المجتمعة في بيت واحد، وقد جرت العادة بإرضاع كل منهن أولاد غيرها، وعلمت كل منهن الإرضاع، لكن لم تتحقق كونه خمسًا فلينتبه له، فإنه يقع كثيرًا في زماننا. اهـ.
وعلى هذا، فالأحوط أن يحتجبن منك, وأن يتعاملن معك معاملة الأجانب، والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم.