عنوان الفتوى : هل يأثم إذا استفاد من المواد الموجودة في الانترنت والتي لا يكتب أصحابها مصادرها ؟
لي استفسارات بخصوص حقوق التأليف والملكية الفكرية وغير ذلك : أولا : هناك بعض المعلومات تكون موجودة في صورة كتب ، أو فيديوهات ، أو مواقع إنترنت ، تكتب دروسا أو كورسات ، وأسئلة لمشكلات على المنتديات ، وغير ذلك ، ولا يكتبون المراجع لهذا الكلام ، فهل هذا حرام لي كمتعلم ؟ والبعض يكتب أهم المراجع ، فهل هذا يكفي أم لا ؟ وهل قراءتي للكتاب تعتبر تعديا على الملكية للمؤلفين الذين اقتبس منهم المؤلف الكتاب ؟ وهل يجب أن أسأل مؤلفي الكتب : هل قمتم بشراء المراجع أو استخدمتموها بطريقة غير شرعية ؟ ثانيا : معنى جميع الحقوق محفوظة .. ، هل يمنع من تلخيص الكتاب في ورق خاص بي ، أو الاقتباس منه ؟
الحمد لله.
حقوق الطبع والنشر للمؤلف والناشر ، في الكتب النافعة المفيدة : من النوازل الحادثة ، وقد أفتى غير واحد من أهل العلم في هذا العصر بحفظه وصيانته ، وحرمة العدوان عليه ، وهو ما عليه المجامع العلمية المعتبرة .
سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية والإفتاء :
" أعمل في مجال الحاسب الآلي ، ومنذ أن بدأت العمل في هذا المجال أقوم بنسخ البرامج
للعمل عليها ، ويتم ذلك دون أن أشتري النسخ الأصلية لهذه البرامج ، علما بأنه توجد
على هذه البرامج عبارات تحذيرية من النسخ ، مؤداها : أن حقوق النسخ محفوظة ، تشبه
عبارة ( حقوق الطبع محفوظة ) الموجودة على بعض الكتب ، وقد يكون صاحب البرنامج
مسلما أو كافرا . وسؤالي هو : هل يجوز النسخ بهذه الطريقة أم لا ؟
فأجابت : " لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من سبق إلى مباح فهو أحق به ) ؛ سواء كان صاحب هذه البرامج مسلما أو كافرا غير حربي ؛ لأن حقَّ الكافر غير الحربي مُحترَم كحق المسلم " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (13/188) .
وللفائدة راجع الفتوى رقم : ( 26307 ) ، ورقم : (21899) .
وما تشير إليه هذه الفتاوى والقرارات ، والمتعارف عليه ، والمنصوص عليه في بداية كل كتاب ؛ أن الممنوع هو الطبع والنشر من غير إذن من صاحب الحق .
وعلى هذا :
فما سألت عنه من الانتفاع بمعلومات الكتاب بتطبيقها أو تلخيصها لتسهيل الرجوع إليها
، أو نقلها لمن يستفيد منها ، كالطلاب ونحوهم ، فهذا مأذون فيه بداهة ، وهو من بين
غايات امتلاك الكتاب .
حق الاقتباس :
وهو من حق أي إنسان : أن يقتبس وينقل ما يفيد من أي كتاب ، ولا يعد ذلك خرقا لحقوق
المؤلف أو الناشر .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" إنارة المفاهيم والأفكار بالأسس السليمة وتقويم معوجها ، وإصلاح ما فسد منها وبعث
الحيوية والنشاط فيها ، واستصلاحها وعمارتها وظهور الأثر العملي في ميدان العمل
والتطبيق = هذه الإيجابيات من أعظم عوائد التأليف ومنافعه العملية .
والاقتباس واحد من هذه الآثار المباركة ، فهو ثمرة عملية وصلت إلى حد الإيجاب
باعتبارها والاستشهاد بها ، واتخاذ الكاتب لها سنداً في موضوعه وبحثه ، فهو انتفاع
شرعي لا يختلف فيه اثنان ، وما زال المسلمون منذ أن عرف التأليف إلى يومنا هذا وهم
يجرون على هذا المنوال في مؤلفاتهم دون نكير .
وعليه : فإن منع المؤلف لذلك يعد خرقاً للإجماع " انتهى من " فقه النوازل " (2/161)
.
لكن للاقتباس آداب يجب
مراعاتها ؛ ومنها : إسناد كل قول إلى صاحبه .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" شرط الاقتباس : لكن الاقتباس مشروط بأداء أمانته ، وهو نقله بأمانة منسوباً إلى
قائله دونما غموض أو تدليس أو إخلال ، ومباحث هذه منتشرة في آداب التأليف وغيرها "
انتهى من " فقه النوازل " (2/162) .
ومن لم يحافظ على هذا الشرط
، مخالف لأمانة النقل ، وأدب النفع والفائدة ، في نسبة القول إلى قائله ، والفضل
إلى أهله ، متزين عند الناس بما ليس فيه .
عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها : " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إِنَّ لِي ضَرَّةً ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ
الَّذِي يُعْطِينِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (
الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَىْ زُورٍ ) رواه البخاري ( 5219
) ، ومسلم ( 2130 ) .
قال الإمام النووي رحمه الله
:
" قال العلماء : معناه المتكثّر بما ليس عنده ، بأن يظهر أنّ عنده ما ليس عنده ،
يتكثّر بذلك عند النّاس ، ويتزيّن بالباطل ، فهو مذموم كما يذمّ من لبس ثوبي زور "
انتهى من " شرح مسلم " (14/110) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه
الله :
" وأما حكم التثنية في قوله ( ثوبي زور ) فللإشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى ، لأنه
كذب على نفسه بما لم يأخذ ، وعلى غيره بما لم يُعطَ ، وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه
ويظلم المشهود عليه . وقال الداودي : في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور
مرتين مبالغة في التحذير من ذلك ... " انتهى من " فتح الباري " (9/318) .
هذا فيما يخص الناقل من غير عزوٍ لصاحب المصدر ، أمّا القارئ والمطالع للمؤلفات التي لا تعزو المعلومات لأصحابها ، فهذا ليس محل شك ولا شبهة أصلاً ، بل جواز ذلك من الأمور البديهية ، التي يعد السؤال والبحث فيها تنطعا ، وتكلفا ، أو فتحا لباب الوسوسة المرضية ؛ فإياك ومثل هذه المسالك ، لا تفتحها على نفسك ، فتنقطع في مسيرك إلى ربك ، ولا عليك بسؤال صاحب الكتاب ، أو البحث وراءه عن مصادره ، ومن أين له هذا ؟
والله أعلم .