عنوان الفتوى : حكم قراءة سورة الإخلاص والصلاة على النبي بين ركعات التراويح
شيخنا الكريم: أود الاستفسار عن هذا الدعاء: "اللهم يا لطيف بالأزل، أنت اللطيف لم تزل، ألطف بما نزل" هذا دعاء يدعو به الإمام بين الاستراحة في صلاة القيام، وما حكم قراءة: "قل هو الله أحد"، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين التراويح - جزاكم الله خيرًا -؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعاء الأول لا حرج في سؤال الله تعالى به؛ لأنه ليس فيه ما يخالف الشرع، وإنما هو مجرد سؤال الله تعالى والتوسل إليه باسمه اللطيف أن يلطف بنا، والأصل في قراءة الإخلاص والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو الجواز، فالذكر على وجه العموم مطلوب ومشروع في كل وقت وحين؛ لقول الحق سبحانه: يا أيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الأحزاب:41ـ42}, وقال: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ {الأحزاب: 35}.
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد في المسند، وصححه الأرناؤوط: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي عند ما سأله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل.
ومن هذا تعلم مشروعية الذكر من حيث العموم، إلا أن تخصيص ذكر معين بوقت معين أثناء التراويح, وبصوت مرتفع في جماعة يحتاج إلى دليل، فما لم يدل الدليل عليه منه فلا يفعل؛ لأنه يعتبر بدعة إضافية، والخير كله في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه مسلم, وفي رواية البخاري: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهَا السِرًّ أَمْ الجهر؟ فأجاب: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ هِيَ دُعَاءٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ، إلى أن قال: وَالسُّنَّةُ فِي الدُّعَاءِ كُلِّهِ الْمُخَافَتَةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُشْرَعُ لَهُ الْجَهْرُ.
ثم قال بعد سرد الأدلة على ما ذكر: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ، مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، فَكُلُّهُمْ يَأْمُرُونَ الْعَبْدَ إذَا دَعَا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَدْعُو، لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الدُّعَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ، كَالصَّلَاةِ التَّامَّةِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَوْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، حَتَّى عَقِيبَ التَّلْبِيَةِ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ عَقِيبَ ذَلِكَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو سِرًّا، وَكَذَلِكَ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ إذَا ذَكَرَ اللَّهَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ وَإِنْ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لَا يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ الصَّلَاةِ مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَفْعَ الصَّوْتِ بِذَلِكَ، فَقَائِلُ ذَلِكَ مُخْطِئٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالصَّلَاةِ، أَوْ الرِّضَى الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ قُدَّامَ بَعْضِ الْخُطَبَاءِ فِي الْجُمَعِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُصَلِّي عَلَيْهِ سِرًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَسْكُتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
ولتراجع الفتوى رقم: 131253، وما فيها من إحالات، والفتاوى التالية أرقامها: 1000، 171407، 69133.
والله أعلم.