عنوان الفتوى : هل تكرار سورة الإخلاص أفضل أم قراءة ختمة كاملة
ما هو الأفضل والأعظم أجرا وثوابا ختم القرآن كل أٍربعة أيام وباقي الوقت أكرر قل هو الله أحد (سورة الاخلاص) أم ختم القرآن كل ثلاثة أيام وباقي الوقت أكرر قل هو الله أحد أيضا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحاصل سؤالك أنه هل الأفضل الإكثار من قراءة القرآن على ترتيب المصحف أم الإكثار من قراءة سورة الإخلاص، والذي يظهر والعلم عند الله تعالى أن الإكثار من القراءة على ترتيب المصحف أولى، وقد نص الفقهاء على أن قراءة الختمة في التراويح أولى من تكرار سورة الإخلاص.
قال في مغني المحتاج: وفعلها - أي التراويح - بالقرآن في جميع الشهر أفضل من تكرير سورة الإخلاص. انتهى.
بل بالغ بعض العلماء وعد الاشتغال بتكرار السورة ولو سورة الإخلاص من البدع لأنه لم يكن من عمل السلف، وهذا وإن لم يكن مسلما لكنه يدل على أن الاشتغال بالختم والإكثار من القراءة أولى على كل حال.
قال الونشريسي في المعيار المعرب: ومنها - أي من البدع - تكرار السورة الواحدة في التلاوة أو في الركعة الواحدة ، فإن التلاوة لم تشرع على ذلك الوجه ولا أن يخص من القرآن شيء دون شيء في صلاة ولا في غيرها، فصار المخصص لها عاملاً برأيه في التعبد لله . وخرج ابن وضاح عن مصعب قال : سئل سفيان عن رجل يكثر قراءة { قل هو الله أحد } ، لا يقرأ غيرها كما يقرؤها ، فكرهه فقال : إنما أنتم متبعون ، فاتبعوا الأولين، ولم يبلغنا عنهم نحو هذا. وإنما أنزل القرآن ليقرأ ولا يخص شيء دون شيء . و في العتبية من سماع ابن القاسم : سئل مالك عن قراءة { قل هو الله أحد } مراراً في ركعة واحدة ، فكرهه وقال : هذا من محدثات الأمور التي أحدثوا. لئلا يعتقد أن أجر من قرأ القرآن كله هو أجر من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات ، لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم « أنها تعدل ثلث القرآن ». انتهى.
هذا ولا ريب في فضل سورة الإخلاص وهي تعدل ثلث القرآن بنص السنة، ولكن ليس معنى هذا أنها تغني عما عداها من كتاب الله، فإن المسلم محتاج لجميع ما تضمنه القرآن من المعاني، وبه جميعه يصلح قلبه، وأما سورة الإخلاص فقد شرفت على غيرها لتمحضها لصفة الرب تعالى وتوحيده الذي هو أشرف معاني القرآن، ولكن هذا لا يغني عن معرفة الوعد والوعيد والأحكام والقصص وغير ذلك من المقاصد التي اشتمل عليها القرآن.
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله هذا المعنى فقال: فَالْقُرْآنُ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقَصَصِ. وَإِنْ كَانَ التَّوْحِيدُ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ احْتَاجَ إلَى مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيَعْتَبِرُ بِهِ مِنْ الْقَصَصِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَمْ يَسُدَّ غَيْرُهُ مَسَدَّهُ، فَلَا يَسُدُّ التَّوْحِيدُ مَسَدَّ هَذَا وَلَا تَسُدُّ الْقَصَصُ مَسَدَّ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مَسَدَّ الْقَصَصِ. بَلْ كُلُّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ وَيَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. فَإِذَا قَرَأَ الْإِنْسَانُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَصَلَ لَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ ثَوَابِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ؛ لَكِنْ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ مِنْ جِنْسِ الثَّوَابِ الْحَاصِلِ بِبَقِيَّةِ الْقُرْآنِ بَلْ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى جِنْسِ الثَّوَابِ الْحَاصِلِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقَصَصِ فَلَا تَسُدُّ ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مَسَدَّ ذلك ولا تقوم مقامه... فَالْمَعَارِفُ الَّتِي تَحْصُلُ بِقِرَاءَةِ سَائِرِ الْقُرْآنِ لَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ فَيَكُونُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ قَرَأَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لِتَنَوُّعِ الثَّوَابِ وَإِنْ كَانَ قَارِئُ ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثَلَاثًا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ الثَّوَابِ لَكِنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيهِ الْأَنْوَاعُ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْعَبْدُ كَمَنْ مَعَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَآخَرُ مَعَهُ طَعَامٌ وَلِبَاسٌ وَمَسَاكِنُ وَنَقْدٌ يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ؛ فَإِنَّ هَذَا مَعَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَذَاكَ مُحْتَاجٌ إلَى مَا مَعَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مَا مَعَهُ يَعْدِلُ مَا مَعَ هَذَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ مِنْ أَشْرَفِ الطَّعَامِ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى لِبَاسٍ وَمَسَاكِنَ وَمَا يَدْفَعُ بِهِ الضَّرَرَ مِنْ السِّلَاحِ وَالْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الطَّعَامِ. انتهى.
والله أعلم.