عنوان الفتوى : تفضيل ختمة التدبر على الإكثار من القراءة دون تدبر
بعض الإخوة يقرؤون ختمة لمراجعة الحفظ، وتكون بدون تدبر المعاني، و أخرى للتدبر تكون في النوافل مثل الضحى والرواتب والقيام مع استثناء الركعتين بعد المغرب وركعتي الفجر؛ لما ورد في ما يقرأ فيهما. فهل في ذلك ابتداع أم أنه أمر محمود؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا نرى بأسا بهذا، ولا نراه من البدع في شيء، فقراءة القرآن والإكثار من ختمه فعل حسن على كل حال، مرغب فيه في كل وقت، واختلف العلماء في أيهما أفضل، هل كثرة القراءة وإن فات التدبر؟ أم التدبر وإن قلت القراءة؟ على قولين معروفين، ومن جمع بين المصلحتين بأن جعل ختمة للقراءة السريعة، وختمة للتدبر، فحسنا فعل، ويرجى له تمام المثوبة -إن شاء الله-، وإن كان الصحيح أن القراءة مع التدبر أعظم أجرا.
قال الحافظ ابن رجب في قواعده: (وَالثَّالِثَةُ) رَجُلٌ قَرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ سُورَةً، وَآخَرُ قَرَأَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ سُوَرًا عَدِيدَةً سَرْدًا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قيماز وَسُئِلَ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْكَ التَّرَسُّلُ أَوْ الْإِسْرَاعُ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً؟ قَالُوا لَهُ: فِي السُّرْعَةِ؟ قَالَ: إذَا صَوَّرَ الْحَرْفَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْقِطْ مِن الْهِجَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْكَثْرَةِ عَلَى التَّدَبُّرِ، وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ أَنَّهُ كَرِهَ السُّرْعَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِسَانُهُ كَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَرَسَّلَ، وَحَمَلَ الْقَاضِي الْكَرَاهَةَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ، نَقَلَ عَنْهُ مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ فِي رَجُلٍ أَكَلَ فَشَبِعَ وَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَرَجُلٍ أَقَلَّ الْأَكْلَ فَقَلَّتْ نَوَافِلُهُ، وَكَانَ أَكَثَرَ فِكْرَةً أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَذَكَرَ مَا جَاءَ فِي الْفِكْرِ: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. قَالَ: فَرَأَيْت هَذَا عِنْدَهُ أَكْثَرَ يَعْنِي الْفِكْرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ قِرَاءَةِ التَّفَكُّر عَلَى السُّرْعَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ صَرِيحًا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. انتهى.
والله أعلم.