عنوان الفتوى : التوازن والشمولية من مقومات أهل الحق للنهوض بالأمة
بسم اللـه الرحمن الرحيمالسلام عليكم ورحمة اللـه وبركاتهنود أن نشكركم على إجابتكم لنا على
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر الأخ الكريم على تواصله مع مركز الفتوى، ونسعد بأسئلته واستفساراته.
وفيما يخص الكلام على جماعة التبليغ نحب أن نبين أن هذا الموقع ليس معنياً بالكلام على الجماعات والطوائف، وليس هذا مجال تخصصه، فإن الحكم على جماعة حكماً مفصلاً دقيقاً يتطلب الوقوف على منهجها العلمي والعملي، وربما احتاج إلى مخالطتها والسير معها زمناً –كما أشرت في سؤالك- وهذا كله لا يتسع له المجال هنا، كما لا يخفى.
ولهذا، فنحن نحرص على أن نقدم ضوابط عامة في الحكم على الجماعات والعمل بها، مؤكدين على ضرورة الإنصاف والعدل والتحري في الحكم على الآخرين.
ونعتقد أن ما ذكر في الأسئلة السابقة واف بهذا الغرض والحمد لله.
وأما المراد بقولنا: (وليكن معلوماً أيضاً أن هذه الجماعات وإن كان قصد أصحابها نصرة الحق والدعوة إلى الالتزام بالإسلام؛ إلا أنها ليست على قدم سواء في سلامة النهج، وشموله بجوانب الإسلام المختلفة، والإسلام ليس محصوراً في أي شيء منها) فبيانه كما يلي:
1-الأصل المعلوم من خلال الوقوف على مناهج الجماعات الدعوية أنها جميعاً تسعى لخدمة الإسلام، ونصر الحق.
2-هذه الجماعات ليست على درجة واحدة في سلامة المنهج، فمنها من يتبنى بعض الأفكار المخالفة لما عليه أهل السنة الجماعة، كتبني بعض مقالات الأشاعرة والماتريدية، أو بعض معتقدات الصوفية، أو انتهاج نهج الخوارج في استباحة الدماء وغيرها، أو سلوك طريق المرجئة في بعض مسائل الإيمان والكفر، أو اعتماد المنهج العقلاني القائم على تقديم العقل على النص، أو التعسف في تأويل النصوص استجابة لضغط الواقع، إلى غير ذلك من المخالفات التي تشوب مناهج بعض هذه الجماعات.
3- وهذه الجماعات أيضاً ليست على درجة واحدة فيما يتعلق بالشمولية التي عليها الإسلام، فمنهم من جعل همه هو العمل السياسي مغفلاً جانب التربية والتزكية، ومنهم من يهتم بالعمل على حساب الدعوة والعمل، ومنهم من يغفل الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، ومنهم من يحصر منهجه في الجهاد والإعداد له، ولا شك أن الإسلام شامل لكل هذه الجوانب.
وأن أهل الحق ينبغي أن يتحلوا بهذه الشمولية، وأن يكون لديهم التوازن الذي يمنع من طغيان جانب على حساب الآخر، وليس في الدين جوانب أو مسائل يمكن أن تتخلى عنها أي جماعة من الجماعات إن هي أرادت إقامة الدين كما أمر الله تعالى.
4-وأما قولنا: (والإسلام ليس محصوراً في شيء منها) فهو واضح من خلال ما بعده، وهو قولنا: (وقصارى أمرها أن تكون طرائق في الدعوة وفهم الإسلام، والإسلام حاكم عليها، وأكثر المسلمين لا يتبعون أياً من هذه الجماعات، وفيهم العلماء والدعاة والمجاهدون...الخ.
فليس الإسلام محصوراً في جماعة الجهاد، أو جماعة التبليغ، أو جماعة الإخوان، وإلا فما هو مصير الفئات الكثيرة التي لا تعرف هذه الجماعات، ولا تنتمي إليها؟!
هذه الجماعات إن هي إلا طرائق للدعوة وإقامة الدين، وفيها الخطأ والصواب، ولا يخلو كثير منها من التعصب المذموم، والتشرذم الممقوت الذي هو أحد عوامل ضعفها، وعدم وصولها إلى أهدافها رغم مرور أكثر من نصف قرن على ظهورها وتكونها.
هذا ما لزم التنبيه عليه، ونسأل الله أن يسلك بك طريق الحق والهدى عملاً بكتابه، وسنة نبيه، واتباعاً لما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
والله أعلم.