عنوان الفتوى : حكم تحايل العامل لأخذ حقه إذا ظلمه صاحب العمل
قدمت إلى العمل في إحدى الشركات في إحدى البلدان خارج مصر, وهناك تفاجأت بأن صاحب العمل أنكر حقوقي المتفق عليها قبل السفر, ولا سبيل لي كي أشتكيه لأحصل على حقي, فخالفت القوانين واللوائح المنظمة للعمل في المؤسسة كي أعطي عملاءها ما لا يستحقون مقابل مال دون ظلم لأحد بعينه, فالقانون يمنع ذبح الدواجن والأرانب في المسلخ وأنا خالفت القوانين وذبحت مقابل مال, فهل هذا المال رشوة أم ظفر بالحق؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت من مخالفتك لشروط العمل واستخدامك لأرض المسلخ دون إذن من رب العمل كل ذلك من الاعتداء المحرم من حيث الأصل, وقد بينا في فتاوى سابقة أن أخذ العامل من أموال صاحب العمل بغير رضاه وعلمه لا يجوز من حيث إن الأصل في ذلك التحريم، والأدلة على تحريم أكل مال المسلم بغير رضاه أكثر من أن تحصر، لكن إذا كان المأخوذ منه ظالمًا للآخذ في مال فهل للمظلوم أن يأخذ مقدار حقه بغير رضا الظالم إذا لم يعطه حقه؟
هذه المسألة تسمى عند الفقهاء بمسألة الظفر، وهي ما أشرت إليها, وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
فمذهب الحنفية: أن رب الدين إذا ظفر من جنس حقه من مال المديون على صفته: فله أخذه بغير رضاه، ولا يأخذ خلاف جنسه كالدراهم والدنانير.
وذهب المالكية: إلى أن من ظلمه إنسان في مال, ثم أودع الظالم عنده مالًا قدر ماله أو أكثر فليس له - أي: المودع (بفتح الدال) - الأخذ منها، أي: الوديعة حال كونها مملوكة لمن ظلمه.
ومذهب الشافعية: له أن يأخذ من جنس حقه, ومن غير جنس حقه، فإن كان من عليه الحق منكرًا, ولا بينة لصاحب الحق أخذ جنس حقه، فإن فقد أخذ غيره وباعه واشترى به جنس حقه غير متجاوز في الوصف أو القدر، وقيد الشافعية ذلك بأمور:
أولها: ألا يطلع القاضي على الحال، فإن اطلع عليه لم يبعه إلا بإذنه جزمًا.
ثانيها: ألا يقدر على البينة, وإلا فلا يستقل مع وجودها بالبيع والتصرف.
ثالثها: ألا يبيع لنفسه.
ومذهب الحنابلة أن من له على إنسان حق لم يمكن أخذه بحاكم, وقدر له على مال حرم عليه أخذ قدر حقه.
قال القرطبي في تفسيره: والصحيح جواز ذلك كيف ما توصل إلى أخذ حقه ما لم يعد سارقًا، وهو مذهب الشافعي, وحكاه الداودي عن مالك, وقال به ابن المنذر, واختاره ابن العربي، وأن ذلك ليس خيانة, وإنما هو وصول إلى حق.
واستدل من قال بجواز أخذ الحق من الجنس أو من غيره بقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [الشعراء: 227].
وبما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها -: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح, وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
وبما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر قال: قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا, فما ترى فيه؟ فقال لنا: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.
وعليه، فإذا ثبت ظلم رب العمل وجحده لحقك, ولم تستطع الوصول إليه إلا بالطرق الخفية فلا بأس, ويجب عليك أن تتحرى الدقة, وألا تتجاوز الحق الذي لك، واعلم أن من تجاوز وأخذ حق غيره فإنما يأخذ قطعة من النار, وقد قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58] وقال : وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك, ولا تخن من خانك. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وأما ما مثلت به مما تفعله من الحيلة من استخدام أرض المسلخ دون إذن فقد يكون فيه ضرر أكبر, ومفسدة أعظم؛ ولذا ينبغي مراعاة هذا وفق ما ذكرناه حتى على فرض ثبوت الظلم وإرادة التوصل إلى الحق.
والله أعلم.