عنوان الفتوى : عاتب موسى أخاه هارون عليهما السلام لما عبد بنو إسرائيل العجل غضبا لله .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

کما نعلم أن هارون کان نبيا من الأنبياء ، و الأنبیاء معصومون ، فکیف أخطأ هارون علیه السلام ، وما نهی قومه من عبادة العجل لما ذهب موسی لميقات ربه ، وحین رجع موسی عاتبه عتابا شدیدا لفعله ؟ وهل الوحی ینزل علی الأنبياء کما ينزل علي الرسل ? وهل مات هارون قبل موسی عليه السلام أم بعده ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولا :
تقدم الكلام عن عصمة الأنبياء ، وبينا أنهم عليهم السلام معصومون في تبليغ رسالات ربهم ، معصومون من الوقوع في الكبائر ، أما صغائر الذنوب : فربما تقع من بعضهم ، إلا أنهم لا يقرون عليها ، وإنما يبادرون بالتوبة منها .
ينظر جواب السؤال رقم : (42216) .
ثانيا :
لما عبد بنو إسرائيل العجل نهاهم نبي الله هارون عليه السلام عن ذلك أشد النهي ، وبين لهم أن هذا العجل جعله الله فتنة بينهم ، وأمرهم باتباع أمره بتوحيد الله وترك عبادة ما سواه ، ولا ينبغي أن يظن بنبي الله غير ذلك ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ) طه/ 90، 91 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا كَانَ مِنْ نَهْي هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ ، وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهُمْ : إِنَّمَا هَذَا فِتْنَةٌ لَكُمْ ( وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ ) الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ ، الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ( فَاتَّبِعُونِي ) أَيْ: فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَاتْرُكُوا مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ " انتهى من " تفسير ابن كثير " (5/ 312) .
ثالثا :
لما رجع موسى عليه السلام إلى قومه وقد أخبره ربه أنهم فتنوا بالعجل قام على أخيه غضبان أسفا وأخذ برأسه يجره إليه من شدة الغضب لله ؛ خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم عن عبادة العجل ، وفيما أمره به في قوله : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) الأعراف/ 142 . وهكذا أهل العلم يتهمون أنفسهم وذويهم وأتباعهم بالتقصير إذا رأوا مخالفة لأمر الله ، قال تعالى : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأعراف/ 150 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَوْلُهُ ( وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ) خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِي نَهْيِهِمْ ؛ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : ( قالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/428) .
فلما علم براءة ساحته ، وأنه أمرهم ونهاهم قال : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الأعراف/ 151 .

رابعا :
يتنزل الوحي من الله تعالى على أنبيائه ، كما يتنزل على رسله ، قال عز وجل : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) النساء/ 163 ، وقال عز وجل : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/ 25 .
وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحج/ 52 .
وانظر إجابة السؤال رقم : (11725) .

خامسا ::
مات نبي الله هارون قبل نبي الله موسى عليهما السلام ، قال ابن كثير رحمه الله :
" الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّ هَارُونَ تُوُفِّيَ بِالتِّيهِ قَبِلَ مُوسَى أَخِيهِ بِنَحْوٍ مَنْ سَنَتَيْنِ. وَبَعْدَهُ مُوسَى فِي التِّيهِ أَيْضًا " انتهى من " البداية والنهاية " (2/ 235) .

وراجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (10242) .
والله أعلم .