عنوان الفتوى : مذاهب الفقهاء في تتبع رخص المذاهب، ومعنى العمل بالراجح
بوركتم: عموماً إجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأخذ برخص المذاهب الفقهية، بمعنى الأخذ بالأيسر من كل مذهب، أو تتبع رخص المذاهب، اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
ـ الأول: المنع مطلقا، وإليه ذهب ابن حزم، والغزالي، والنووي، والسبكي، وابن القيم، والشاطبي. ونقل ابن حزم، وابن عبد البر الإجماع على ذلك.
ـ الثاني: الجواز، وإليه ذهب بعض الحنفية كالسرخسي وابن الهمام.
ـ الثالث: الجواز بشروط، وقد اختلف القائلون بذلك في بيان الشروط وعدها، فاشترط العز بن عبد السلام ألا يترتب عليه ما يُنقَض به حكم الحاكم؛ وهو ما خالف النص الذي لا يحتمل التأويل، أو الإجماع، أو القواعد الكلية، أو القياس الجلي. وزاد القرافي ألاّ يجمع بين المذاهب على وجهٍ يخرق به الإجماع. وهناك من زاد شروطا أخرى.
وراجع في ذلك الفتويين: 4145، 140418. وتجد في الأخيرة منهما التنبيه على أنه لا حرج في الأخذ بالرخص، والتلفيق بين المذاهب اجتهادا وترجيحا، أو تقليدا من العامي لمن يعتقده الأعلم والأوثق من العلماء. والإحالة في ذلك على الفتويين: 37716، 107754.
وأما حكم الأخ السائل على القول بلزوم العمل بالراجح بأنه مخالف لسماحة الشريعة والرفق بالمسلم !! فمغالطة واضحة، لأنه لا خلاف في وجوب طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولزوم اتباع الشريعة التي تحكم في كل مسألة بعينها بحكم واحد. وإنما يُتَّبع العلماء ومذاهبهم لكونهم يجتهدون في معرفة ذلك ودلالة الناس عليه! فإذا اختلفوا عرفنا أن بعضهم أصاب وله أجران، وبعضهم أخطأ وله أجر واحد، ولكن لا يجوز اتباعه على خطئه إذا استبان للعبد.
ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. اهـ.
فالعمل بالراجح معناه العمل بما يغلب على الظن أنه مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بحسب ما ترجحه الأدلة، لا بالتشهي والهوى، ولا بالتشدد والورع؛ لأن الحق في كل مسألة بعينها واحد لا يتعدد، كما قدمنا، وراجع في ذلك الفتويين: 127607، 180003.
وأما سماحة الشريعة فلها مظاهر عدة، ومن جملتها مراعاة الأحوال الخاصة، فمن قواعدها: الضرورات تبيح المحظورات. والمشقة تجلب التيسير. وإذا ضاق الأمر اتسع.
ومن ذلك ما نبهنا عليه في الفتوى التي ذكرها السائل في مطلع سؤاله برقم: 203266 على أنه لا حرج على المكلف في الأخذ بالأيسر في مسألة أو مسألتين ونحو ذلك عند حاجته لذلك.
وأما التفريق بين القول الضعيف والقول المرجوح، فلا نعلم أحدا من أهل العلم نص عليه، ولا مشاحة في الاصطلاح، ويمكن أن يُربط هذا التفريق بنوعي الخلاف: فيوصف القول المخالف للراجح في الخلاف المعتبر بالمرجوح، ويوصف في الخلاف غير المعتبر بالضعيف. وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 984540، 16387، 26350.
والله أعلم.