عنوان الفتوى : وجه الحكمة في خواتيم بعض آيات سورة الروم وهل يتغير المعنى بالإبدال بينها
سؤالي هو عن سورة الروم من الآية 21 إلى 24 نرى أن في ختام الآيات يقول الله تعالى: ( لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) و (لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) و(لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ )(لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ). سؤالي هو: هل إذا بدلنا خواتم هذه الآيات بعضها ببعض يتغير المعنى؟ وهل هناك سر في أن الله ختم هذه الآية بهذه الخاتمة ولم يختمها بخاتمة أخرى من هذه الآيات، وعلى سبيل المثال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ) ونضع بدلها لقوم يعقلون. فهل لو وضعناها هكذا يختل السر البلاغي؟ وشكرا لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن لختام الآيات حكمة بليغة، وقد تلمس بعض أهل العلم حكمة ذلك.
فقد جاء في تفسير الفخر الرازي: المسألة الثالثة: قال: {في ذلك لآيـات لقوم يعقلون} وقال من قبل: {لقوم يتفكرون} وقال: {للعـالمين} فنقول: المنام بالليل والابتغاء من فضله، يظن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان، فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله، فلم يقل آيات للعالمين؛ ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسنة والألوان من اللوازم، والمنام، والابتغاء من الأمور المفارقة، فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات، ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان، فإنهما يدومان بدوام الإنسان، فجعلهما آيات عامة. وأما قوله: {لقوم يتفكرون} فاعلم أن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر، ومنها ما يكفي فيه مجرد الفكرة، ومنها ما لا يخرج بالفكر بل يحتاج إلى موقف يوقف عليه ومرشد يرشد إليه، فيفهمه إذا سمعه من ذلك المرشد، ومنها ما يحتاج إلى بعض الناس في تفهمه إلى أمثلة حسية كالأشكال الهندسية، لكن خلق الأزواج لا يقع لأحد أنه بالطبع إلا إذا كان جامد الفكر خامد الذكر ، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة، فقال: {لقوم يسمعون} ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد. اهـ.
وقال ابن عاشور في تفسيره: وقد جعلت دلالات المنام، والابتغاء من فضل الله لقوم يسمعون، لوجهين:
أحدهما: أن هذين حالتان متعاورتان على الناس قد اعتادوهما، فقل من يتدبر في دلالتهما على دقيق صنع الله تعالى؛ فمعظم الناس في حاجة إلى من يوقفهم على هذه الدلالة ويرشدهم إليها.
وثانيهما: أن في ما يسمعه الناس من أحوال النوم ما هو أشد دلالة على عظيم صنع الله تعالى مما يشعر به صاحب النوم من أحوال نومه؛ لأن النائم لا يعرف من نومه إلا الاستعداد له، وإلا أنه حين يهب من نومه يعلم أنه كان نائما؛ فأما حالة النائم في حين نومه، ومقدار تنبهه لمن يوقظه، وشعوره بالأصوات التي تقع بقربه، والأضواء التي تنتشر على بصره فتنبهه أو لا تنبهه، كل ذلك لا يتلقاه النائم إلا بطريق الخبر من الذين يكونون أيقاظا في وقت نومه. فطريق العلم بتفاصيل أحوال النائمين واختلافها السمع، وقد يشاهد المرء حال نوم غيره إلا أن عبرته بنومه الخاص به أشد، فطريق السمع هو أعم الطرق لمعرفة تفاصيل أحوال النوم، فلذلك قيل لقوم يسمعون.
وجاء في تفسير الشربيني: فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى هنا: {آيات لقوم يعقلون} وفيما تقدم {لقوم يتفكرون} ؟ أجيب: بأنه لما كان حدوث الولد من الوالد أمراً عادياً مطرداً قليل الاختلاف، كأن يتطرق إلى الأوهام العامية أنّ ذلك بالطبيعة؛ لأنّ المطرد أقوى إلى الطبيعة من المختلف، والبرق والمطر ليس أمراً مطرداً غير مختلف بل يختلف إذ يقع ببلدة دون بلدة، وفي وقت دون وقت، وتارة يكون قوياً وتارة يكون ضعيفاً، فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار فقال هو آية لمن كان له عقل وإن لم يتفكر تفكراً تاماً ..... اهـ.
والله تعالى أعلم بمراده، وهو الحكيم العليم.
والله أعلم.