عنوان الفتوى : خبر تبرك خالد بن الوليد رضي الله عنه بشعر النبي صلى الله عليه وسلم
يروى أن خالد بن الوليد كان عنده ضفيرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم, والتي احتفظ بها خالد بن الوليد في خوذته , وفي مرة وقعت الخوذة بسبب الريح , حينئذ توقف , والتقطها من الأرض خوفا عليها من الضياع . هل هذه القصة صحيحة ؟ وهل موجودة في الأحاديث النبوية الشريفة الصحاح , أو في أحاديث السيرة ؟ لو كانت هذه القصة حقيقية , فكيف نرى هذه القصة في ضوء القرآن والسنة ووحدانية الله ؟
الحمد لله
أولا :
التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، كشعره وعرقه وسؤره جائز باتفاق أهل العلم
؛ لما ثبت من الأحاديث الصحيحة في ذلك .
وهذه الفضيلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وليست لأحد غيره ، فلا يقاس غيره
عليه .
وقد جعل الله تعالى في آثاره صلى الله عليه وسلم البركة ، وما يرجى به الخير والنفع
في الدنيا والآخرة ، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم التماس البركة في آثاره ، وليس
ذلك من الشرك - والعياذ بالله - لأنه من الأخذ بالأسباب الشرعية ، ولأن الذي أجازه
هو الذي حارب الشرك ومنع كل الطرق المؤدية إليه ، بخلاف التبرك بآثار غيره ، فإنه
بدعة مخالفة لهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ذريعة إلى التعلق الشركي
بغير الله تعالى .
وينظر إجابة السؤال رقم : (100105) ، والسؤال رقم : (158714).
ثانيا :
روى الحاكم في "المستدرك" (5299) ، والطبراني في "الكبير" (3804) ، وأبو يعلى في
مسنده (7183) من طريق هُشَيْم ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ
أَبِيهِ : " أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَقَدْ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ فَقَالَ: اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوهَا، ثُمَّ طَلَبُوهَا
فَوَجَدُوهَا، وَإِذَا هِيَ قَلَنْسُوَةٌ خَلِقَةٌ ، فَقَالَ خَالِدٌ: " اعْتَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ ، وَابْتَدَرَ
النَّاسُ جَوَانِبَ شَعْرِهِ ، فَسَبَقْتُهُمْ إِلَى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِي
هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ ، فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِيَ مَعِي إِلَّا رُزِقْتُ
النَّصْرَ " .
سكت عنه الحاكم ، وأعله الذهبي بالانقطاع ، وهو الصحيح ؛ فإن جعفرا هذا ، وهو ابن
عبد الله بن الحكم بن رافع ، إنما يروي عن صغار الصحابة كأنس ، ومحمود بن لبيد ،
كما في "التهذيب" (2/99) ، وخالد بن الوليد رضي الله عنه قديم الوفاة ، فقد توفي في
خلافة عمر رضي الله عنه - كما في "طبقات ابن سعد" (7/ 279) ، و "أسد الغابة"
(2/140) ، فلا يتهيأ لجعفر إدراكه والسماع منه ؛ ولذلك قال البخاري في " التاريخ
الكبير" (2/195) في ترجمة جعفر هذا : " رأى أنسا " ، وهذا مشعر أنه لم يدرك كبار
الصحابة ومتقدمي الوفاة منهم .
وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى ضعف هذا الحديث بتصديره بــ " رُوي " ، المشعرة
بالضعف وعدم الثبوت ؛ فقال :
" وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ خَالِدًا سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ
وَهُوَ فِي الْحَرْبِ ، فَجَعَلَ يَسْتَحِثُّ فِي طَلَبِهَا فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ ،
فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنْ شَعْرِ نَاصِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّهَا مَا كَانَتْ مَعِيَ فِي مَوْقِفٍ إِلَّا
نُصِرْتُ بِهَا " .
انتهى من "البداية والنهاية" (7/ 113) .
وينظر : "مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم" لابن الملقن ، حاشية
المحقق (4/1953-1954) .
ثم على فرض صحت القصة وثبوتها : فلم يعد لها واقع عملي ، لأن هذا خاص بآثار
النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد انقطع إسنادها جميعا ، فلم يبق في أيدي الناس شيء
من آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، تصح نسبته إليه .
والله أعلم .