عنوان الفتوى : هل ينبغي علينا أن نخاف ممن لا يخاف الله ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هو حكم من يقول : الخوف من الله ، وممن لا يخاف الله ؛ الشخص الذي لا يخاف الله : هل يجب على الإنسان أن يخاف منه ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولا :
أما الخوف من الله : فمن أفضل مقامات الدين وأجلِّها ، وهو من أجمع أنواع العبادة التي أمر الله سبحانه بإخلاصها له ، قال تعالى : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/175 ، ووعد سبحانه من حقق مقام الخوف منه بجنتين ، فقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن/46 ، وأثنى على الملائكة بأنهم يخافون ربهم من فوقهم ، فقال تعالى : ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ) النحل/50 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ : الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 /20) .
والخوف النافع للعبد : هو الخوف الذي يحمله على طاعة الله ، وطلب مرضاته ، وترك ما يغضبه ويسخطه ، سبحانه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الخوف من الله تعالى يكون محمودًا ، ويكون غير محمود :
فالمحمود : ما كانت غايته أن يحول بينك وبين معصية الله ، بحيث يحملك على فعل الواجبات ، وترك المحرمات ، فإذا حصلت هذه الغاية سكن القلب واطمأن ، وغلب عليه الفرح بنعمة الله ، والرجاء لثوابه .
وغير المحمود : ما يحمل العبد على اليأس من روح الله والقنوط ، وحينئذ يتحسر العبد وينكمش ، وربما يتمادى في المعصية لقوة يأسه ".
انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (6/ 53) .

ثانيا :
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 175 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخَافَ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ، وَلَا يَخَافَ النَّاسَ ، كَمَا قَالَ : ( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) ؛ فَخَوْفُ اللَّهِ : أَمَرَ بِهِ ، وَخَوْفُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ : نَهَى عَنْهُ ، قَالَ تَعَالَى : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ) ؛ فَنَهَى عَنْ خَشْيَةِ الظَّالِمِ ، وَأَمَرَ بِخَشْيَتِهِ . وَقَالَ: ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلَّا اللَّهَ ) ، وَقَالَ: ( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .
وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ : يَا رَبِّ إنِّي أَخَافُك وَأَخَافُ مَنْ لَا يَخَافُك : فَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ ، لَا يَجُوزُ ؛ بَلْ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَخَافَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَا يَخَافَ أَحَدًا ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ : أَذَلُّ مِنْ أَنْ يُخَافَ ؛ فَإِنَّهُ ظَالِمٌ ، وَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ ؛ فَالْخَوْفُ مِنْهُ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ .
وَإِذَا قِيلَ : قَدْ يُؤْذِينِي ؟
قِيلَ : إنَّمَا يُؤْذِيك بِتَسْلِيطِ اللَّهِ لَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْك دَفَعَهُ ؛ فَالْأَمْرُ لِلَّهِ ؛ وَإِنَّمَا يُسَلَّطُ عَلَى الْعَبْدِ بِذُنُوبِهِ ، وَأَنْتَ إذَا خِفْتَ اللَّهَ ، فَاتَّقَيْتَهُ ، وَتَوَكَّلْتَ عَلَيْهِ : كَفَاكَ شَرَّ كُلِّ شَرٍّ ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، وَتَسْلِيطُهُ يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبِك ، وَخَوْفِك مِنْهُ .
فَإِذَا خِفْتَ اللَّهَ ، وَتُبْتَ مِنْ ذُنُوبِك ، وَاسْتَغْفَرْتَهُ : لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْكَ ، كَمَا قَالَ : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/57-58) ، وينظر أيضا : "جامع المسائل" (3/58) .
وعلى ذلك : فلا ينبغي إطلاق هذا القول ؛ بل حقه أن يضاف إلى " المناهي اللفظية " التي ينبغي توقيها .
وراجع للفائدة : جواب السؤال رقم : (161597) ، ورقم : (191525) .
والله تعالى أعلم .