أرشيف المقالات

الهاوية في الرد على من قال بحديث قتل معاوية

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
الهاوية في الرد على من قال بحديث قتل معاوية

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفُسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهْده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70 - 71].[1]
 
فقد دعاني لكتابة هذا المقال ما رأيتُه وقرأتُه في بعض مواقع شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)،[2] مِن تَطاوُل البعضِ على مقام صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أكابرهم الخلفاء الراشدين، وغيرهم من الصحب الكرام رضي الله عنهم، حتى رأيتُ لِبعضِهم دراسةً لحديثٍ، يُؤيِّد في زعمه وكذبه ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتُم معاوية بن أبي سفيان على منبري فاقتلوه)).
 
لقد بدأ هذا المفتري مقاله بالتطاوُل على صحْب النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأ طعنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ معاويةَ رضي الله عنه، ثم أخذ يُوهم على الناس مُلبسًا عليهم بدراسته لحديثٍ يُؤيِّد فيه زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتْل معاوية رضي الله عنه، فلمَّا قرأتُ المقالة علمتُ أن حال كاتبه كحال مَن قرأ ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾، ولم يُكمل الآية، فأثبت الويل للمصلين ولم يبيِّن لمن يكون الويل على الحقيقة؛ قال تعالى:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4 - 5]، أو كحال مَن قرأ قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19]، ولم يقرأ بداية الآية ونهايتها، فقلب المعنى، والآية هي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، فأخذ هذا المفتري حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه في حق معاوية رضي الله عنه: ((لا أَشْبَعَ اللهُ بطنَه))، ولم يعلم هذا المفتري أن للمحدثين فقهًا في ترتيبهم للأحاديث داخل الأبواب الفقهية، فالإمام مسلم رحمه الله تعالى لمَّا ذَكَر هذا الحديث - أعني: حديث معاوية - ذكره عقب حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا فيه على جارية أم سُليم، ولما سألته أم سُليم رضي الله عنها أجابها بقوله ((يا أمَّ سُليم أما تعلمين أني اشترطت على ربي، فقلتُ: إنما أنا بَشَرٌ أرضَى كما يرضَى البَشَر، وأغضب كما يغضب البَشَر، فأيمُّا أحدٍ دعوتُ عليه مِن أمَّتي بدعوة ليس لها بأهلٍ أن تجعلها له طهورًا، وزكاةً، وقُربةً، يقربه بها منه يوم القيامة))؛ الحديث أخرجه مسلم بقصة في أوله، وكذا حديث ((لا أشبَع اللهُ بَطْنَه))، كلاهما في كتاب البرِّ والصلة والآداب، باب مَن لعَنَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو سبَّه، أو دعا عليه وليس هو أهلًا لذلك، كان له زكاةً وأجرًا ورحمةً (4 / 2009) ح (2603)، عن أنس، وحديث معاوية برقم (2604)؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، فرحم اللهُ الإمامَ مسلمًا على فِقهِه ودقَّته في ترتيب الأحاديث داخل الباب الواحد، وكان هذا منهجَ العلماء رحمهم الله مِن المحدِّثين، فلهم فِقهٌ في ترتيب الأحاديث التي يَذكُرونها في أبواب كتُبهم.
 
وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم ما نصه:
"وأما دعاؤه على معاوية أن لا يشبع حين تأخَّر، ففيه الجوابان السابقان:
أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد:
والثاني: أنه عقوبة له لتأخُّره، وقد فهم مسلم رحمه الله مِن هذا الحديث أن معاوية لم يكُن مستحقًّا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيرُه مِن مناقب معاوية؛ لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له"؛ راجع "شرح النووي على مسلم" (16/ 156).
 
ولو أن هذا المفتري كذبًا، والناقم على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كتب الحديث؛ أي: حديث: ((إذا رأيتم معاوية بن أبى سفيان على منبري فاقتلوه))، وسكَتَ، لكان الخطبُ أهْوَن، ولَعَلِم كلُّ مَن يقرؤه أن هذا الحديث مختلَقٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سأل عنه، ولكن ما آسفَني أن هذا الشخص قام بدراسة إسناد الحديث، فقام بعزوه ثم ذكر رجال الإسناد، ثم بيَّن أنه يَرتقي بطُرُقه، وكل هذا تلبيس وافتراء، وتضليل على العامة، وكان حاله كما سبق، يقتص من النصوص أو أقوال العلماء ما يوافق هواه، ونعوذ بالله تعالى مِن شر اتباع الهوى، ولعمري إنه لكاذب.
 
الرد على هذا الزعم:
فأقول: هذا الحديث ورد من رواية أبي سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم مرفوعًا، كما ورد مرسلًا عن الحسن البصري، وهو حديث مختلَق وضعيف: فأما رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: فذكرها ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (2/ 146)، ترجمة (جعفر بن سليمان الضبعي)، ثم قال بعد ذكْره: وحديث أبي سعيد بلاؤه من أبي هارون العبدي، قلتُ: أبو هارون العبدي هذا اسمه عمارة بن جوين، مشهور بكنيته، قال الحافظ عنه في تقريبه : "متروك، ومنهم مَن كذَّبه، شيعيٌّ"، وقال الذهبي عنه في "الكاشف": "متروك".
 
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فذكره ابن عدي أيضًا في "الكامل" (2/ 209)، في ترجمة (الحكم بن ظهير الفزاري)، والحكم هذا قال عنه البخاري: "تركوه"، و قال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب": "متروك رُمي بالرفض"، وقال عنه ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة.
 
وأما رواية جابر رضي الله عنه: فذكرها ابن عدي في الكامل أيضًا في ترجمة (سفيان بن محمد المصيصي)، قال ابن عدي: "كان يَسرق الحديث، ويُسوِّي الأسانيد"؛ أي: يدلس تدليس التسوية، فيروى عن الضعفاء والمتروكين فيسقطهم ويجعل الإسناد عن الثقات، فذكر له ابن عدي الحديث لكن بلفظ فلان، دون التصريح باسم معاوية رضي الله عنه، قال الشيخ ابن عدي: "فسوَّاه سفيان، ثم قال بعد سرد أحاديث له: "ولسفيان بن محمد غير ما ذكرت من الأحاديث ما لم يتابعه الثقات عليه، وفي أحاديثه موضوعات وسرقات يسرقها من قوم ثقات، وفي أسانيد ما يرويه تبديل قوم بدل قوم، واتصال الأسانيد وهو بيِّن الضعف"، راجع "الكامل"؛ لابن عدي (3/420 - 421)، وذكره ابن عدي في "الكامل" مرسلًا من طريق الحسن البصري في ترجمة عمرو بن عبيد أبي عثمان البصري (5/ 98)، وعمرو بن عبيد هذا قال عنه ابن مَعين: "لا يُكتب حديثه"، وقال النسائي: "متروك الحديث"، وقال أيوب: "عمرو بن عُبيد يكذب"، كما ورد في ترجمته عند ابن عدي، وقال عنه الحافظ: "معتزليٌّ اتَّهمه جماعة، مع أنه كان عابدًا"، و ذكر ابن عدي الحديث في مواضع من "الكامل" (5/ 314 - 7/ 83)، فليراجع ما قاله هناك، والحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 25 – 27) الأحاديث التي وُضعت لذم معاوية رضي الله عنه، وتكلَّم على طُرُقه، وذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 8)، حديث رقم (1).
 
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكْره لهذا الحديث: "وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحًا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك؛ لأنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم"؛ راجع "البداية والنهاية" (ج 8 / ص141 - 142)، ترجمة معاوية رضي الله عنه، وعند مراجعة الكتاب قبل طبعه، فقد وجدتُ بموقع السادة تطاولهم على الصحابة، كمعاوية رضي الله عنه، حيث اطلعتُ على دراسة حديثيَّة لنفس الحديث بتاريخ 24/10/2009م لمدَّع آخر أيَّد، بل نافَحَ لتصحيح الحديث، والله المستعان، وكلامه مردود عليه كسابقه.
 
وهذا لا غرابة فيه مع مَن كان الكذبُ شعارَهم، والخيانةُ دثارَهم، والافتراءُ والاختلاقُ نهجَهم، وتلبيسُ الحق بالباطل ديدنَهم؛ فهم يلبِّسون على العامة بحجة دراستهم للأسانيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، فنبرأ إلى الله تعالى من بغضهم لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ونُشهِد اللهَ أننا نُحب الصحابة، ونُجلُّهم، فَلَغُبَارُ قَدَمِ أحدِهم خيرٌ مِن مِلء الأرض مِن مثلنا، فلهم الفضل والسبق، فبحبِّ رسول الله نحبُّهم، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وتحت لوائه، وبرفقة صحابته رضوان الله عليهم أجمعين.



[1] وهذه المقدمة تُسمَّى خطبة الحاجة، وقد أخرجها مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة (2/ 593) ح (868)، عن ابن عباس رضي الله عنه بقصة في أوله، وزيادة في آخره، ومختصرًا دون ذكر الآيات، وأخرجه النسائي في "الكبرى" في كتاب النكاح، باب ما يستحب من الكلام عند الخطبة (6/ 89) ح (3278) مع ذكر الآيات، ورواه أحمد في المسند (1/ 350)، وأشار محققه إلى أن إسناده صحيح على شرط مسلم.
وله شاهد عن ابن مسعود، أخرجه أبو داود في سُننه في كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح (1/ 644) ح (2118)، بتقديم آية النساء على آية آل عمران، وأخرجه الترمذي في سُننه في نفس الكتاب السابق، باب ما جاء في خطبة النكاح (2/ 355 – 356) ح (1107)، وقال: حسَن صحيح.


[2] شبكة هجر http://www.wahajr.com، ومنتديات السادة الرابط http://www.alsada.net، هذه المواقع، وأمثالها التي تبثُّ سمومها على المسلمين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢