عنوان الفتوى : أعظم دليل وأقوى حجة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
كيف يمكن التأكد من نبوة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل أيد رسله بالحجج والبينات الدالة على صدقهم فيما يدعون الناس إليه من الإيمان والتصديق بنبوتهم، فقال سبحانه وتعالى: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) [الحديد:25].
وكان من حكمته سبحانه وتعالى أن جعل معجزات كل رسول مما يتناسب مع عصره الذي بعث فيه، والقوم الذي بعث فيهم.
فكانت العصا معجزة سيدنا موسى عليه السلام، لأن السحر كان انتشر في ذلك الوقت في أولئك القوم.
وكان إحياء الموتى معجزة لسيدنا عيسى عليه السلام، لانتشار الطب في زمنه وهكذا.
ولما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بمعجزات كثيرة تفوق معجزات من سبقه من إخوانه رآها من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لما كانت رسالته صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة الباقية حتى قيام الساعة آتاه الله عز وجل معجزة تبقى بعده لتكون حجة على كل من جاء بعده، وتلك المعجزة والبينة هي: القرآن الكريم كتاب الله الذي بين أيدينا، فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في قوم فصحاء بلغاء يتبارى فصحاؤهم في نثر الكلام ونظمه في مجامعهم وأسواقهم، فجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن يدعوهم إلى الله عز وجل فكذبوه فتحداهم أن يأتوا بمثله، فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، فتنزل معهم فتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، ولم يكن شيء أحب إليهم من أن يثبتوا كذب محمد صلى الله عليه وسلم، ولو وجدوا أي طريق يستطيعون تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم من خلاله لسلكوه لشدة عداوتهم له وبغضهم لما جاء به، فإنه يسفه أحلامهم ويسب آلهتهم ويبطل أديانهم، ومع ذلك كله يقول لهم: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:23].
ثم يخبرهم بأنهم لن يستطيعوا ذلك مهما طال بهم الزمن، فيقول سبحانه وتعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:24]. فيقف العرب الفصحاء عاجزين عن الرد على هذا التحدي ويضطرون لحمل السلاح للدفاع عن دينهم وآلهتهم ويضحون برجالهم وأموالهم وينزلون ساحة الحرب، وقد طلب منهم ما هو أيسر عليهم من ذلك لو كان باستطاعتهم، ولكن هيهات.
وبعجز العرب الفصحاء عن الإتيان بمثل القرآن مع تحديه لهم قامت الحجة على غيرهم من الناس.
وبلاغة القرآن وفصاحته وجه واحد من أوجه إعجازه للبشر، وهناك وجوه أخرى للإعجاز في القرآن منها:
إخبار القرآن عن الغيوب المستقبلية، فقد أخبرهم عن أمور ستقع فوقعت كما أخبرهم، مثل قوله تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم:1-4]. فانتصرت كما أخبر الله عز وجل.
ومن وجوه إعجاز القرآن الكريم إخباره عن الأمم الماضية، وتفصيل ما جرى لهم مع أن الرسول الذي جاء بالقرآن كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب يرعى الغنم بمكة.
ومن وجوه إعجازه الجدة فلا يُسأم مع كثرة الرد والتكرار، فالمسلم يقرأ سورة الفاتحة في اليوم الواحد سبع عشرة مرة على أقل تقدير، وفي كل مرة يقرؤها فكأنما يقرؤها لأول مرة.
ومن وجوه إعجازه إعجازه في التشريع، فقد جاء بما لم تقدر عليه عقول البشر من الأحكام والشرائع، والأعجب من ذلك أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يرعى الغنم بمكة.
ومن وجوه إعجازه إخباره عن دقائق وأسرار في هذا الكون الفسيح لا يزال العلم الحديث يكشف لنا شيئاً منها يوماً بعد يوم.
ومن وجوه إعجازه حفظه عن التغيير والتبديل، فلا يستطيع أحد أن يزيد فيه حرفاً، أو ينقص منه حرفاً مهما تطاولت الآماد.
والخلاصة أن الحجة والبرهان على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الذي بين أيدينا، فمن كذب فليأتنا بمثله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"ّّ رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.