عنوان الفتوى : ضرب المثل في القرآن بالكلب والحمار لا يدخل في باب السب
بسم الله الرحمن الرحيم "فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ. " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين" الله سبحانه وتعالى شبه بعض الناس بتلك الأمثال. فهل بذلك- والعياذ بالله- أقول على الله سباب ؟! وهل هذه الآيات تبرر لي السب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإطلاق مثل هذا الوصف في حق الله تعالى (سبَّاب): منكر من القول وزور، وبهتان عظيم !! تعالى الله وتقدس.
وهاتان الآياتان المذكورتان في السؤال إنما هما ضرب مثل لطائفة من الناس تلبسوا بحال مزرية، وأفعال مردية، ألحقتهم ببعض الأنعام في صفة معينة، وحال متعينة. فوقع التشبيه من هذا الجانب. فالآية الأولى فيها تشبيه من آتاه الله العلم فلم يعمل به بل انسلخ منه واتبع هواه، وآثر دنياه، فتسلط عليه الشيطان فأغواه ـ فشُبِّه بالكلب الذي لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا المنسلخ أيضا لا يزال حريصا على شهوات الدنيا ومقاصدها حرصا يقطع قلبه، ولا يسد فاقته.
وكذلك الآية الثانية ليس فيها أن اليهود حمير !! مع كونهم تركوا العمل بالتوراة بعد أن تعلموها. وإنما فيها أن حالهم هذه شبيهة بحال الحمار الذي لا ينتفع بما يحمله على ظهره من الكتب.
ومن تأمل هذا أدرك البون الشاسع والفرق الكبير بين السب، وبين ضرب المثل الذي تهتدي به القلوب إلى حقائق الأشياء وكأنها تراها رأي عين.
قال الشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان): في هذه الأمثال وأشباهها في القرآن عبر ومواعظ وزواجر عظيمة جدا، لا لبس في الحق معها، إلا أنها لا يعقل معانيها إلا أهل العلم، كما قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) ومن حكم ضرب المثل: أن يتذكر الناس، كما قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون). وقد بين تعالى في مواضع أخر: أن الأمثال مع إيضاحها للحق يهدي بها الله قوما، ويضل بها قوما آخرين، كما في قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين). اهـ.
وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم في محاضراته في التفسير: هنا تنبيه مهم، وهو أن بعض الناس قد يحصل منه - ومنا عموماً - عدم دقة في استعمال بعض التعبيرات، فنسمع من يصف الكافر الفلاني بأنه خنزير، وهذا قرد، وهذا كذا وكذا، وربما ظن أن هذا جائز، وأنه إذا شتم أحداً بمثل هذه الألفاظ لم يأثم، وإذا قيل له قال: إن في القرآن الكريم قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}. وقال: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}. فنقول: أنت إذا ضبطت كلامك فهمت أن الآيات الكريمات لا تدل على ما تذهب أنت إليه؛ فالقرآن لم يقل: هم حمير، ولم يقل: هم كلاب، وإنما قال: (مثل) فشبه؛ وأنت إذا قلت: فلان كذا، وذكرت حيواناً من هذه الحيوانات فهذا كذب وفحش من القول، والأصل أن المسلم يتنزه عن هذا، إلا في حالات قليلة. اهـ.
وقد سبق لنا بيان بعض هذه الحالات القليلة فراجع للفائدة الفتويين: 71170، 55887.
ويبقى أن الأصل المحكم والقاعدة العامة قد بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني.
وينبغي أن يكون هذا وصفا عاما للمؤمن حتى مع غير المسلمين، فعن عائشة قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة؛ لا تكوني فاحشة. فقالت: ما سمعت ما قالوا؟! فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا، قلت: وعليكم.
وفي رواية: مه يا عائشة؛ فإن الله لا يحب الفحش والتفحش. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 132671.
والله أعلم.