عنوان الفتوى : الكذب.. مراتبه وأنواعه.. وحكم مرتكبه
هل ينتفي الإيمان عن المسلم الذي يكذب؟ وهل كل الكذب يعتبر من الكبائر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فلا شك في حرمة الكذب, وقد بينا حرمته وخطورته في الفتوى رقم: 189319, والفتوى رقم: 156655.
وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الكذب كبيرة من الكبائر, وهذه إحدى الروايتين عن أحمد, قال ابن القيم في إعلام الموقعين: واختلف الفقهاء في الكذب في غير الشهادة: هل هو من الصغائر أو من الكبائر على قولين, هما روايتان عن الإمام أحمد, حكاهما أبو الحسين في تمامه, واحتج من جعله من الكبائر بأن الله سبحانه جعله في كتابه من صفات شر البرية, وهم الكفار والمنافقون, فلم يصف به إلا كافرًا أو منافقًا, وجعله علم أهل النار وشعارهم, وجعل الصدق علم أهل الجنة وشعارهم ... اهــ
والكذب في حديث الناس - وإن كان محرمًا ومن الكبائر - إلا أنه ليس كفرًا مخرجا من الملة؛ بل شعبة من شعب الكفر, ونفاق عملي, قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: الكفر ذو أصل وشعب, فكما أن شعب الإيمان إيمان, فشعب الكفر كفر, والحياء شعبة من الإيمان, وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر, والصدق شعبة من شعب الإيمان, والكذب شعبة من شعب الكفر .. اهــ .
وقال فضيلة الشيخ عبد الرحمن المحمود في كتابه الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة قال:
النفاق الأصغر؛ غير المخرج من الملة, هو النفاق العملي، واختلاف السر والعلانية في الواجبات، وذلك بعمل شيء من أعمال المنافقين؛ مع بقاء أصل الإيمان في القلب وصاحبه لا يخرج من الملة .... وأمثلة ذلك: الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، وخيانة الأمانة، والفجور في الخصومة ... اهــ .
وفي خصوص السؤال عما إذا كان الكذب كله يعتبر من الكبائر أم لا؟ فالجواب: أن في ذلك تفصيلًا لخصه الدسوقي في الكلام عما يقدح في الشهادة قال: والحاصل أن الكذب إما أن يترتب عليه فساد أو لا, فالأول مضر ولو واحدة, وهي كبيرة, والثاني مضر منه الكثير, وهو ما زاد على الواحدة, وأما الواحدة - يعني في السنة - فلا تضر لعسر الاحتراز منها, وهي صغيرة, وقيل كبيرة, وإن كانت غير قادحة في الشهادة. اهـ
والله تعالى أعلم.