عنوان الفتوى : لا تلزمك كفارة صوم ولا دية
هلكت - يا شيخي - ولا أدري ما أفعل: فأنا طبيبة أعمل في قسم الأمراض المهنية بالكلية, وهو يشبه الأمراض الصدرية, وبعد أن عملت فيه وجدت أن مستوى التعليم فيه ليس جيدًا, وأن معلوماتي فيه أقل من معلومات زملائي في الصدر, فكنت أخجل من ذلك؛ لأني كنت متفوقة أيام دراستي في الكلية, ولكني كان يجب أن أحسن معلوماتي بنفسي, وأنا – واللهِ - كنت دائمًا - ولا زلت - أتفانى في خدمة مرضاي, ولا أتكبر على أحد أبدًا, أما ما حدث فإنه منذ 8 سنوات وعندما كنت في السنة الثانية في القسم, دخل علينا في أحد الأيام مريض يعاني من مشكلة في القلب - جلطة قديمة - وفي يوم "النباطشية" الخاصة بي مرّ بي أحد الأساتذة وقال لي: "المريض لا يبدو عليه أنه سيعيش, فلمَ هو في قسمنا؟ أخرجيه" فهم كانوا يفضلون دخول الحالات البسيطة, فقلت له: أدخلته إلى قسم المدرس المساعد, وقال لي المريض وصديقه: دعينا نخرج؛ حتى لا يحدث له شيء في المستشفى, وإن مات فيموت في بيته, فقلت له: لا تتضايق, ستكون بخير, وتخف - إن شاء الله - وعملت له أشعة على الصدر, ووجدت عنده مياهًا على الرئة اليسرى, وذهبت به إلى طبيب القلب, فقال: "لا شيء أكثر مما تعطيه له من علاج", ولكن استشيري زملاءنا في قسم الصدر, فقلت: ربما أجد أحد زملائي أو من هم أصغر مني فخجلت أن أسألهم, وأرجأت سؤالهم إلى اليوم التالي حتى تأتي زميلتي الأصغر مني, فقد كانت في بدايتها, ولن تشعر بالحرج, وأمضيت "نباطشيتي" مع المريض, وخلالها عانى من بعض الأشياء, فقد انخفض ضغطه, فقمت بتعليق المحاليل له, وانخفض سكره, فقمت بمعالجته, وكان عنده ضيق في النفس فأعطيته الأكسجين, وبتّ معه ليلتي؛ لأنها كانت "نباطشيتي", وفي الصباح الباكر كلمت زميلتي؛ حتى لا تتأخر على المريض وتستلم مني الحالة, وقلت لها: حالته غير مستقرة, وعليها أن تذهب به لقسم الصدر, وبعد أن استلمت الحالة بحوالي ساعة أو ساعتين توفي المريض, وعلمت منها بالأمس بعد أن كلمتها لأعلم ما حدث أنها ذهبت لتفطر وعادت فوجدته أصيب بضيق شديد في التنفس, وقال لها صديقه الذي كان معه: إنه سيموت, فدعينا نخرجه, فلا نريده أن يموت في المستشفى, ثم توقف تنفسه, وذهبت به إلى الرعاية؛ حيث توقف قلبه, وقاموا بعمل صدمات كهربائية فعاد, ثم توقف مرة أخرى وتوفي, وفي اليوم التالي للوفاة رأى أحد الأساتذة الأشعة, وقال: كيف يكون عنده كل هذه المياه على الرئة ولا تجعلي أحدًا يسحبها له فورًا؟ وأنا الآن في أشد الندم على ما فعلت, وبتّ – واللهِ - أسأل عن أي معلومة لا أعرفها أيَّ شخص - حتى وإن كان يصغرني بعشر سنوات - ولكن ماذا يجدي الندم! ولا أدري ما حكمي, ولقد تبت إلى الله توبة نصوحًا, ولا أكاد أفكر في شيء في حياتي صباحًا أو مساء إلا هذا الموضوع, ولقد بدأت في صيام شهرين متتابعين, وأنا أبحث في الملفات القديمة محاولةً الوصول إلى عنوان له, وربما لن أستطيع الوصول إليه, وربما سأصل اليه, ولا أجد له أقارب؛ حيث إني أذكر أن صديقه الذي كان معه كان يقول: إنه ليس له أقارب, وليس معي بمفردي مبلغ الدية, فماذا أفعل؟ وهل ما قمت به من عبادات خلال تلك الفترة يقبل مني أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأخلصي في التوبة إلى الله تعالى, والإنابة إليه بالندم الصادق, والعزم على عدم العود، وأكثري من الاستغفار وفعل الصالحات, فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولا تقنطي من عفو الله ورحمته، فإنه لا يتعاظم على عفو الله ذنب.
ولا تلزمك الكفارة لا بالصوم, ولا بغيره، ولا دية فيما حصل منك على الراجح؛ لأنه - كما هو ظاهر - غاية ما فيه أنه تفريط, ومثله لا يستلزم شيئًا من ذلك, وراجعي الفتوى رقم: 144775.
والله أعلم.