عنوان الفتوى : من يُمْنِ المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها
ماذا عن الزواج من لم يستطع دفع المهر الكثير هل الزواج من الخارج بتكلفة أقل شيء مناسب أم ماهو العمل ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن حسن رعاية الإسلام للمرأة أن أعطاها حقها في التملك، وقد كانت المرأة في الجاهلية مهضومة الحق، وكان وليها يتصرف في خالص مالها ويمنعها حقها من التصرف فيه، فرفع الله عنها هذا الإصر وفرض لها المهر وجعله حقاً على الرجل لها، وليس لأبيها ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئاً منها إلا في حال الرضا والاختيار. قال تعالى:وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4].
ولم تجعل الشريعة حدا للمهر قلة ولا كثرة، إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر ويتفاوتون في السعة والضيق، ولكل جهة عاداتها وتقاليدها، فتركت التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته، وحسب حالته وعادات عشيرته، وكل النصوص جاءت تشير إلى أن المهر لا يشترط فيه إلا أن يكون شيئا له قيمة بقطع النظر عن القلة أو الكثرة، ومن أوضح الأدلة على ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد : أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: يا رسول الله زوجنيها،فقال: ما عندك؟ قال: ما عندي شيء، قال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال:لا والله ما وجدت شيئاً ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري ولها نصفه، قال سهل: وما له رداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاه -أو دعي له- فقال له: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وسورة كذا.. لسور يعددها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أملكناكها بما معك من القرآن.
هذا وقد حرص الإسلام على إتاحة فرص الزواج لأكبر قدر ممكن من الرجال والنساء ليستمتع كل بالحلال الطيب، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت وسيلته مذللة وطريقته ميسرة، بحيث يقدر عليه الفقراء الذي يجهدهم بذل المال الكثير، ولاسيما أنهم الأكثرية، فكره الإسلام التغالي في المهور، وأخبر أن المهر كلما كان قليلاً كان الزواج أعظم بركة، وأن قلة المهر من يمن المرأة، فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: إن من يُمْنِ المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها. أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الألباني وهو عندي حسن.
وقال عمر رضي الله عنه: لا تغالوا في صدقات النساء. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي عن أبي العجفاء قال: خطبنا عمر -رحمه الله- فقال: ألا لا تغالوا بصداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
فهذا هو شرع الله، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه رضوان الله عليهم.
أما اليوم فقد أصبح الزواج مشكلة المشاكل لدى الشباب نظراً لتنافس الناس في زيادة المهور، مع ارتفاع تكاليف الحياة عموماً، والذي ننصح به أن يتكاتف الشباب في كل عشيرة أو قبيلة أو عائلة أو حي ويحاولوا مع أولياء الأمور الوصول إلى عدم المبالغة في المهور، أو الوصول بالمهر إلى سقف يكون متاحاً للشباب في مجملهم وليس معجزاً لهم، والذي نراه أنه لا مانع إذا صعبت تكاليف الزواج على الشباب في بلده ووجده ميسراً في بلد إسلامي آخر فلا بأس والحالة هذه أن ينكح امرأة من بلد آخر ما دام عقد الزواج قد استوفى شروطه وأركانه، وكان موافقاً لما جاءت به الشريعة الإسلامية السمحة.
والله أعلم.