عنوان الفتوى : ما الذي ينبغي على الزوج تجاه زوجته في فترة حملها ؟
أعلم أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة ، لكن ما هي مسؤولية الزوج وحقوق الزوجة عليه في فترة حملها وتعبها أثناء الحمل ؟ ، هل بيّن الإسلام مسؤولية للزوج عندما تكون زوجته حاملا وتعاني من آلام ومشاكل عاطفية وجسدية في هذه الفترة ؟ . لقد بحثت في موقعكم هذا لأجد جوابا على سؤالي فلم أجد أي سؤال متعلق بمسؤولية الزوج أثناء معاناة زوجته من مشاكل أثناء الحمل ، وتقلباتها العاطفية ، وعدم قدرتها على النوم أو الأكل . لقد نصحني الأطباء بعدم الإجهاد ، أو التعب ، أو القيام بأعباء المنزل التي تتطلب جهدًا ، ومن ثم تكون خطيرة علي ، هل يفرض الإسلام على الزوجة أن تقوم بأعباء البيت رغم تعبها وحملها ، أم إن الإسلام يخفف عنها ؟ وهل يفرض عليها إعداد الطعام وغير ذلك من مسؤوليات البيت أم أنه يرخص لها في عدم القيام بذلك ؟ وهل لو لم أقدر على طهي الطعام ، هل لي أن أذهب إلى منزل والدتي فآكل معها ؟ حيث إني لا أقدر على طهي الطعام بعد عودتي مرهقة من العمل .
الحمد لله
سبق في موقعنا في الفتوى رقم : (119740)
بيان وجوب خدمة الزوجة لزوجها ، ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال عدم مراعاة أحوال
الزوجة وظروفها ، وبيان ذلك من أوجه عدة :
أولا :
الحمل مظنة الجهد والضعف ، وقد جاء وصف ذلك في القرآن الكريم في قوله سبحانه :
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ) لقمان/14، قال مجاهد : جهدا على جهد ،
وقال عطاء : ضعفا على ضعف . كما في " تفسير القرآن العظيم " (6/336) .
ومن المعلوم أن تكاليف الشريعة كلها مقيدة بحد القدرة والاستطاعة ، فقد قال الله عز
وجل : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286، وإذا كانت
الخدمة تكليفا شرعيا ، فهي مقيدة أيضا بحد القدرة والاستطاعة ، فلا يحل للزوج تكليف
زوجته ما لا تطيق من الجمع بين أعباء الحياة ، والعمل خارج المنزل ، والحمل
بالأبناء ، وإذا كان الحمل عذرا لسقوط بعض الفرائض المجمع عليها كالصيام ، فمن باب
أولى أن يكون عذرا يوجب على الزوج مراعاة زوجته والشفقة عليها في أمور الخدمة
وإصلاح البيت .
ثانيا :
إذا كانت القاعدة الشرعية المتفق عليها تقرر أن " المشقة تجلب التيسير "، وقد جاءت
شواهد الشريعة في التأكيد عليها ، فلا بد أيضا أن تقيد خدمة الزوجة لزوجها بما إذا
كانت لا تؤدي بها إلى مشقة خارجة عن المعتاد ، أو مشقة مجهدة ، والله عز وجل لا
يرضى أن تؤدي التكاليف بالناس إلى العسر والعنت ، فقال سبحانه وتعالى : ( يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185، وقال عز
وجل : ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )
النساء/28، وقال جل وعلا : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ
حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالرقيق ، والخدم والمماليك ، ونهى أن
يكلفهم مالكوهم شيئا يشق عليهم ، إلا وأعانوهم عليه :
( إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ
كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ
مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ
كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ) رواه البخاري (2545) ومسلم
(1661) ؛ فكيف يكون الحال إذاً بامرأة الرجل وزوجته وصاحبته ؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : الْيَتِيمِ ، وَالْمَرْأَةِ )
رواه أحمد في " المسند " (15/416) طبعة مؤسسة الرسالة ، وقال المحققون : إسناده قوي
.
ثالثا :
وصيتنا للزوجة في آخر الجواب أن تحرص قدر المستطاع على منزلها ، وراحة جميع من فيه
، وأن تبذل جهدها في توفير السكينة والطمأنينة وجميع ما يحتاجه ، ولتسأل الله تعالى
أن يعينها على ذلك ، ونحن نرجو الله تعالى أن يكرمها بإحسان الزوج إليها وإعانته
لها إن هي أخلصت عملها لوجه الله ، ولم تقصد تقصيرا ولا إهمالا .
ولا نرى لك أن تذهبي إلى بيت والدتك ، لتأكلي فيه ، وتتركي زوجك ؛ بل ينبغي عليك أن
تشاركيه شأنه ؛ فإن وجدت خفة ونشاطا وقوة ، فقومي له بخدمته ، وقضاء شأنه ؛ فكل
النساء يحملن كما تحملين ؛ أفترين النساء يتركن بيوتهن ، ويدعن أزواجهن ؟!!
إننا إذا كنا نعذرك بما أنت فيه ، ونذكر زوجك بحقك ، فلا ينبغي أن تجعلي ذلك حجة لك
في ترك ما تقدرين عليه من خدمته ، ورعاية شأنه .
وقد فهمنا أنك تعملين خارج البيت في فترة حملك ، ولا شك أن خدمة زوجك ورعاية بيتك
مقدمة على ذلك ؛ فإذا لم يمكنك الجمع بين عملك وخدمة بيتك ؛ فخذي إجازة من عملك ،
وتفرغي لبيتك وزجك في هذه الفترة .
وإذا لم يكن ذلك متاحا ، لظروف تخصك أنت ، فاستأجري من يساعدك على عمل بيتك ،
وتحملي من راتبك أجرة من يعينك على ذلك .
نسأل الله أن يصلح لك شأنك ، ويعينك على الإحسان إلى زوجك ، وأن يصلح بينكما ،
ويجمع بينكما في خير .
وللمزيد ، يرجى النظر في الفتاوى الآتية : (69960)
، (101405)، (153554)
والله أعلم .