أرشيف المقالات

(22) بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم - شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم - أم سارة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
قد يمر الإنسان في بعض الأحيان بحالة من الحزن، أو يُبتلى في عزيز له، أو يقع في معصية تنغص عليه حياته، فيجعله هذا في حالة ضغط نفسي شديد، إن لم يُفرج عن نفسه بشيء فقد يؤدي هذا الضغط النفسي إلى إصابته بأمراض خطيرة أو يدفعه للاكتئاب والبعد عن الحياة والناس، ولكن من رحمة الله بنا أن رزقنا نعمة البكاء لنفرج بها عن أنفسنا ولنزيل شيء من هذا الضغط على أعصابنا، المهم ألا يكون مع البكاء تفوه بشيء يغضب الله أو فيه اعتراض على قدره سبحانه، ومن خلال قراءة السنة المطهرة نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزرف الدمع في مواقف عدة، فلنتعرف عليها ونهتدي بهديه..

من كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: "انكسفت الشمس يومًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،«فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، حتى لم يكد يركع ثم ركع، فلم يكد يرفع رأسه، ثم رفع رأسه، فلم يكد أن يسجد، ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه، ثم رفع رأسه، فلم يكد أن يسجد، ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه، فجعل ينفخ ويبكي، ويقول: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ونحن نستغفرك، فلما صلى ركعتين انجلت الشمس، فقام فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا انكسفا، فافزعوا إلى ذكر الله تعالى» (كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

هذا الحديث: "فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته وشدة الخوف من ربه" (من كتاب جمع الوسائل في شرح الشمائل ص:151).
والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نفزع إلى الله ونصلي إذا حدث أي خسف أو كسف حتى يزول، أما ما يحدث الآن من تجهيز النظارات الحامية أو تسليط التليسكوبات لرؤية تلك الآية، وما يحدث من فرح البعض بأنه رأي هذه الآية وظل يراقبها ويصورها بالكاميرات المتطورة، فهذا من ليس من هديه، الرسول صلى الله عليه وسلم يُعلِمنا أنها قد تكون عذاب من الله ينزل بالأرض وأهلها فكان يبكي ويقول: «رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟»، رحمنا الله وهدانا جميعًا..

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا معاوية بن هشام، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي» فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري»، فقرأت سورة النساء ، حتى بلغت {وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء من الآية:41]، قال: فرأيت عيني رسول الله «تهملان»" (كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

ومعنى تمهلان: أي تزرفان بالدمع.
جاء في كتاب (جمع الوسائل في شرح الشمائل) عن الحديث: "قال ابن بطال في شرح هذا الحديث: "إنما بكى صلى الله عليه وسلم عند تلاوة هذه الآية أنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ، وشدة الحال الداعية إلى شهادته لأمته بالتصديق، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمر يحق له طول البكاء" (انتهى).
والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيمًا فقد يفضي إلى تعذيبهم (ذكره العسقلاني)، وما قاله ابن بطال أظهر مع أنه لا منع من الجمع".

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة له تقضي فاحتضنها فوضعها بين يديه، فماتت وهي بين يديه»، وصاحت أم أيمن، فقال -يعني صلى الله عليه وسلم-: «أتبكين عند رسول الله؟»، فقالت: ألست أراك تبكي؟ قال: «إني لست أبكي إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تنزع من بين جنبيه، وهو يحمد الله عز وجل» (كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

لم يكن اعتراض الرسول صلى الله عليه وسلم هنا على بكاء أم أيمن لمجرد البكاء، ولكن الاعتراض هو أنها صاحت بالبكاء وهذا فيه اعتراض على قدر الله، أما البكاء الذي تزرفه العين بغير صوت وبحمد لله على قضائه فهذا هو المطلوب، وتلك هي الرحمة التي يتحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك بين لها أن المؤمن في خير على كل حال، وقد فسر هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ.
إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له»
( صحيح مسلم :2999)، والله تعالى أعلم.

ذلك هديه صلى الله عليه وسلم فلنتبعه لعلنا نهتدي.. 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣