عنوان الفتوى : يريد طلاقها بعد خيانتها له في غيبته

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا في يوم من الأيام العادية خرجت أذهب إلى عملي مثل كل يوم ، فذهبت إلى الورشة ونسيت أوراق ترخيص السيارة ، فرجعت إلى المنزل ، فطرقت الباب مدة ما يقرب الربع الساعة ، حتى إني اعتقدت أنه لا يوجد أحد في المنزل ، وفجأة فتحت الباب فوجدت حال زوجتي غريبا ، ومرتبكة ، وحالها متغير ، فذهبت مباشرة إلى غرفة النوم فرأيت شخصا يختبئ بين السرير ، فضربته وضربتها ، وأنا الآن أنوي الطلاق ، ولي معها طفلان ، والشك يقتلني ، ولا أنوي معاشرتها ثانية ، مع العلم أني قلت لها إنك محرمة علي كأمي وأختي ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق


الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يعينك على هذا الابتلاء ، وأن يلهمك الصبر والسلوان ، فخيانة الزوجة مقتل في صميم القلب ، وجرح لا يكاد يندمل ، ولكن المؤمن يحتسب أمره عند الله تعالى ، ويعلم أن له عنده سبحانه الأجر العظيم إذا صبر على بلائه ، وحمد الله على الضراء كما كان يحمده على السراء ، يقول الله عز وجل : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة/155-156.
ومثل هذه المرأة لا يقبل الحر العفيف أن يعاشرها ، أو يمسكها عنده ، سواء وقعت في الزنا الصريح أم لم تقع ، وذلك خوفا على العرض من التدنيس ، وعلى النسب من الاختلاط ، ودرءا لإثم الدياثة ، فإمساك الزوجة رغم ما يَعرِف عنها زوجها من معاشرتها الرجال – من غير توبة - انخرام للمروءة ، وانعدام للغيرة ، إلا إذا كان معذورا في ذلك لسبب أو لآخر .
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله – في بيان حالات استحباب الطلاق -:
" أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها " انتهى من " تحفة المحتاج " (8/2)
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن اطلع إلى بيته ووجد عند امرأته رجلا أجنبيا ، فوفاها حقها وطلقها ؛ ثم رجع وصالحها ، وسمع أنها وجدت بجنب أجنبي ؟
فأجاب :
" في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ( أن الله سبحانه وتعالى لما خلق الجنة قال : وعزتي وجلالي لا يدخلك بخيل ، ولا كذاب ، ولا ديوث ) – رواه الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (ص/198) بلفظ ( مدمن خمر ولا ديوث )، وأصح منه حديث : ( ثلاثة لا ينظر اللّه عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة : العاقّ لوالديه ، والمرأة المترجّلة ، والدّيّوث ) رواه النسائي (2561)، وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي "-.
والديوث الذي لا غيرة له . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن المؤمن يغار ، وإن الله يغار ، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه )، وقد قال تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3؛ ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن الزانية لا يجوز تزوجها إلا بعد التوبة ، وكذلك إذا كانت المرأة تزني ، لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال ، بل يفارقها ، وإلا كان ديوثا " انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/141)
وأما قولك لها " إنك محرمة علي كأمي وأختي " فليس طلاقا إلا إذا نويت به الطلاق ، وإلا فهو ظهار سبق بيان حكمه في الفتوى رقم (50305) ، (121076)
فإذا قررت فراقها ، وهو ما نشير عليك به ، لم يكف ما سبق ، بل لا بد من الطلاق الصريح ، ولكن قبل ذلك من حقك ممارسة الضغط على زوجتك كي تتنازل عن مهرها ، فقد قال تعالى : ( وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) النساء/19
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، والضحاك ، وأبو قلابة ، وأبو صالح ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي هلال : يعني بذلك الزنا ، يعني : إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) البقرة/229.
وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك : الفاحشة المبينة : النشوز والعصيان .
واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله : الزنا ، والعصيان ، والنشوز ، وبذاء اللسان ، وغير ذلك .
يعني : أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها ، وهذا جيد ، والله أعلم " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (2/241)
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله – في شرح قول " متن الزاد " " فإن عضلها ظلما للافتداء ، ولم يكن لزناها ، أو نشوزها ، أو تركها فرضا ، ففعلت ، لم يصح الخلع ":
" قوله : ( ولم يكن لزناها ) فإذا كان لغير زناها ، لكن لتوسعها في مخاطبة الشباب ، تتكلم في الهاتف ، وما أشبه ذلك ، فهل نقول : إن هذا من سوء الخلق الذي يبيح له أن يعضلها لتفتدي منه ؟
نعم ، ونجعل قوله : ( لزناها ) شاملاً لزنا النطق ، والنظر ، والسمع ، والبطش ، والمشي ، كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام : ( أن العين تزني ، والأذن تزني ، واليد تزني ، والرجل تزني )، فهذا الرجل يقول : ما أصبر على هذه المرأة ، وهي بهذه الحال ، فصار يضيق عليها لتفتدي منه ، فهذا جائز .
فإن قال قائل : إن الله يقول : ( إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) والكلام أو النظر ليس من الفواحش؟
فنقول : إن هذا وسيلة إلى الفواحش ، ثم إن كثيراً من الناس يكون عنده غَيْرة أن تخاطب امرأته الرجال ، أو أن تتحدث إليهم .
ولكن إذا قدر أنه عضلها لزناها فلم تبذل ، ولم يهمها ، فهل يجوز أن يبقيها عنده على هذه الحال ؟
الجواب : لا يجوز ، ويجب أن يفارقها ؛ لأنه لو أبقاها عنده وهي تزني والعياذ بالله صار ديوثاً .
وقوله : ( أو نشوزها ) وهو معصية الزوجة زوجها فيما يجب عليها ، فإذا صار عندها نشوز وعضلها وضيق عليها لتفتدي فلا حرج .
قوله : ( أو تركها فرضاً ) كأن تترك الصلاة دون أن تصل إلى الكفر ، أو تترك الصيام ، أو تترك الزكاة ، أو تترك أي فرض ، أو تترك الحجاب ، وتقول : سأخرج مكشوفة الوجه ، فله أن يعضلها إذا لم يمكن تربيتها ، أما إذا كان يرغب في المرأة ويمكن أن يربيها فلا حرج أن تبقى معه " انتهى من " الشرح الممتع " (12/463)
وانظر للمزيد الفتوى رقم : (112146)
والله أعلم .