عنوان الفتوى : مساعدة المحتاجين وتنفيس كرباتهم من أعمال البر التي يرجى ثوابها في الدنيا والآخرة
ما حكم المعاملة في الصورة التالية: لقد أقرضت شخصا مبلغا من المال والمقدر بأكثر من 500.000 دج كان بحاجة ماسة إليه، مع العلم أن هذا المال جمعته من أجل كراء مكتب للعمل فيه بعد أن مررت بظروف قاسية جدا خسرت فيها كل ما أملك بسبب طيبتي وإحساني للناس، هذا الشخص كنت أعتبره أخا لي وزوجته أختا لي وأولادهم بمثابة أولادي، كانت هذه العائلة تمر بظروف قاسية ومشاكل الزوجين تزداد يوميا وعلاقتهم تسوء يوما بعد يوم، لأنه لم يكن للزوج أية مدخول يعيل به عائلته، تقدم الزوج لوكالة تشغيل الشباب من أجل اقتناء حافلة لنقل المسافرين لكن مشكلته أنه لم يكن يمتلك كل المبلغ اللازم لذلك، طرق كل الأبواب لكن بدون جدوى، وأمام هذه الوضعية وبالرغم من أنني كنت بحاجة ماسة للمبلغ الذي كان بحوزتي إلا أنني قبلت على نفسي أن أؤجل مشروع كراء المكتب الذي من المفروض أن أشتغل فيه لأمد يد المساعدة لهذه العائلة وأسمح لهذا الأب بالاسترزاق وإدخال الفرحة إلى قلوب هؤلاء الأطفال وقبلت أن أقرضه المبلغ الذي كان بحوزتي مع العلم أنه وعد بتسديد من يقرضه المبلغ المطلوب فور وصول مبلغ مالي كان بانتظاره من جهة إدارية وبدأ بالعمل وتحسنت ظروفه فكانت فرحتي كبيرة عند استقرار أوضاع هذه العائلة لأني كنت أحس وكأنها عائلتي نتقاسم مع بعض الأفراح والهموم وبعدها قبض هذا الشخص المبلغ الذي كان ينتظره ولم يسدد الدين كما وعد واستغل المبلغ في أمور أخرى، لم أبال ولم أطالبه بما أقرضته لأنني كنت بصدد مشروع أنتظر منه مبلغا لا بأس به، وبعدها أخبرني هذا الشخص أنه بسبب عطب اضطر لبيع سيارته دون علم زوجته وطلب مني أن لا أخبرها بذلك، لأنها ستثور إذا علمت أنه قام ببيع السيارة، حيث وضع ثمنها على جنب من أجل شراء سيارة أخرى، وبعد مرور بضعة أشهر كنت بحاجة ماسة إلى بعض المال لتسديد دين كنت مطالبة به، قصدت هذا الشخص وطلبت منه إقراضي مبلغ السيارة التي باعها والمقدر بـ 400.000 دج من أجل تسديد هذا الدين ولم أطالبه بما أقرضته بالرغم من أن المبلغ الذي أقرضته يفوق بكثير ما أقرضني هو، ووعدته أن أرجعه له فور حصولي على المال الذي كنت بصدد انتظاره من ذلك المشروع، لكن شاءت الأقدار أن تعطل هذا المشروع ولم أقبض شيئا مما كنت أنتظره وبذلك لم يكن بمقدوري أن أرجع له ذلك المبلغ، علمت زوجته أنه باع السيارة وثارت لذلك، وثارت أكثر لما علمت أنه خبأ عنها ذلك وأنه أقرضني مبلغ السيارة وأصبحت أنا في موضع اتهام، لأنني كنت أعلم بذلك ولم أخبرها بالرغم من محاولتي إقناعها أنه طلب مني الاحتفاظ بالسر لكي لا أتسبب في أية مشكلة بينهما ـ وأنا أعترف أنني أخطأت في هذه النقطة لأننا كنا كالأختين ولا نخبأ عن بعضنا شيئا ـ للأسف الشديد العلاقة الأخوية والعائلية، والمحبة والود الذي كان يجمعنا حلت مكانه العداوة والحقد بالرغم من أنني كنت عطوفة جدا معهم ولم أبخل عليهم يوما بشيء وخاصة الأطفال الذين كانوا جزءا مني، تقول إنني السبب في تدهور علاقتها الزوجية وأنها توكل علي الله، أرجوكم سيدي ومن فضلكم تنويري هل أنا ظالمة أم مظلومة؟ ومن المفروض أن يسدد الدين؟ أهو أم أنا؟ وهل أنا مخطئة؟ وهل أذنبت؟ الرجاء من فضلكم فك هذا اللغز وإعطائي الحل لهذه المشكلة حتى أكون مرتاحة وصافية أمام نفسي وأمام الله، لأني أخاف الله تعالى وأخاف من غضبه وعقابه ولا أريد أن أكون لا من قريب ولا من بعيد السبب في أية مشكلة، وشكرا الرجاء الرد في أقرب وقت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخلق الإحسان والإيثار من الأخلاق الفاضلة، التي نوه بها الإسلام وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وطبقها هو وأصحابه الكرام فقد وصفهم الله عز وجل بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر:9}.
ومساعدتك للمحتاج وتنفيسك للكربة عنه من أعمال البر التي يتقرب بها إلى الخالق ويرجى ثوابها في الدنيا والآخرة، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه....
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: أفضل الأعمال: أي من أفضلها أي بعد الفرائض كما ذكره في الحديث المار، والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه أن تدخل أي إدخالك على أخيك المؤمن أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب، سروراً أي سبباً لانشراح صدره من جهة الدين والدنيا، أو تقضي تؤدي عنه ديناً لزمه أداؤه، لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل، أو تطعمه ولو خبزاً فما فوقه من نحو اللحم أفضل، وإنما خص الخبز، لعموم تيسر وجوده حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الإخوان، والأفضل إطعامه ما يشتهيه. انتهى.
فهنيئا لك ما جبلت عليه من العطف والرحمة وحب الإحسان واحتسبي ثواب ذلك عند الكريم المنان، وأما ما سألت عنه فلا حرج عليك فيه ولست ظالمة بكتمان ما استكتمت عليه من خبر السيارة، لأن السر أمانة وإفشاؤه خيانة، ومن حقك مطالبته بدينك الذي عليه، وما أخذت منه من مال لا يلزمك رده، لأنه وفاء عن بعض ما في ذمته لك، وانظري الفتوى رقم: 21448.
واتهام المرأة لك بالتسبب في إفساد علاقتها بزوجها لا اعتبار له وينبغي أن تبادلي إساءتها بالإحسان والتغاضي، لكن إذا كان زوجها أجنبيا عنك فعليك معاملته كسائر الأجانب من عدم الخلوة أو الخضوع بالقول وغير ذلك مما يلزم المرأة تجاه الأجانب عنها، ومن حقك مطالبته بباقي دينك الذي في ذمته.
والله أعلم.