عنوان الفتوى : لا تعارض بين الإيمان بالقدر وكون الإنسان مختارا لأفعاله
هل الزواج قسمة ونصيب؟ أم من اختيار الإنسان؟ أم كتب الله عز وجل لأي فتاة من سوف تتزوج وكم ستنجب من الأطفال؟ وهل إذا رفضت الفتاة الخطاب عليها إثم؟ أريد أدعية ترزق الزوج الصالح وتعجل بالزواج.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن كل ما يجري للعبد فهو مقدر عليه ومكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الخلق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.
قال المباركفوري: قال بعض الشراح أي أمر الله القلم أن يثبت في اللوح ما سيوجد من الخلائق ذاتا وصفة وفعلا وخيرا وشرا على ما تعلقت به إرادته. اهـ
وليس معنى ذلك أن الإنسان ليس له اختيار أو أن الأخذ بالأسباب المشروعة لا حاجة له، بل الصواب أن العبد مطالب بتحري الخير وتوقي الشر والاجتهاد في الأسباب المشروعة، ثم التوكل على الله والثقة بأن ما قدره سيكون لا محالة، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة والنار، قالوا أولا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له. متفق عليه.
وفي سنن الترمذي: قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال هي من قدر الله.
قال الغزالي: فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهم والماء سبب لخروج النبات من الأرض. اهـ
وأما رفض الفتاة للخطاب فلا إثم فيه إلا إذا كانت تخشى على نفسها الوقوع في الحرام، قال البهوتي الحنبلي: وَيَجِبُ النِّكَاحُ بِنَذْرٍ وَعَلَى مَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ زِنًا وَقَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ ظَنًّا, مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ, وَطَرِيقُهُ النِّكَاحِ. اهـ
وقال المرداوي عند الكلام على أقسام النكاح: حيث قلنا بالوجوب، فإن المرأة كالرجل في ذلك. اهـ
مع التنبيه إلى أن تكرار رفض الخطاب والمبالغة في الشروط المطلوبة في الخاطب مسلك غير مأمون العواقب، وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 104869،ورقم: 71053.
ولا نعلم دعاء مخصوصاً في الشرع لتيسير الزواج بالرجل الصالح أو تعجيله، لكنّ الدعاء عموماً من أنفع الأسباب لتحقيق كل مطلوب مشروع، وهو نافع بكل حال، ولا سيما إذا روعيت آدابه المبينة في الفتوى رقم: 119608.
والله أعلم.