عنوان الفتوى : يقدم له شخص طعاما وهو يشك في كونه يريد به السوء ، فماذا يفعل ؟
سؤالي كالآتي ، لو قدم إليك شخص طعاما أو شرابا ، ولديك خلفية سيئة عنه أو له اعتراض عليك ، وتشك أنه يريد إيذاءك بسحر أو ضرر في بدنك ، فما الذي ينبغي عليك فعله ، هل عليك أن ترفض الطعام أو الشراب المقدم لك ؟ ، وهل رفضك الطعام أو الشراب يشير إلى ضعف الإيمان أو اليقين بالله ؟ أم ماذا يعتبر أو يشير إليه ذلك الفعل ؟ وما هو حد اليقين ، لو كان هناك أي يقين ، وإلى أي حد يرتبط هذا السؤال بالرسول صلى الله عليه وسلم لما وضعت له السم المرأة اليهودية ، ولم يتوقف عن أكل الطعام حتى بعد أن علم أن بها سم - على ما أظن - فأريد إجابة واضحة عن ذلك .
الحمد لله
أولا :
الأصل سلامة جانب المسلم ، وحمل أحواله على أحسن محاملها ، ومراعاة حسن الظن به في
كل ما يقول ويفعل وعدم سوء الظن به ؛ لأن الظن أكذب الحديث ، إلا أن يبدو منه خلاف
ذلك فالمسلم أخو المسلم ، يحب له ما يحب لنفسه من الخير ، ويكره له ما يكره لنفسه
من الشر، فإذا قدم المسلم طعاما أو شرابا فالأصل إحسان الظن به حتى يتبين خلافه ،
ولا عبرة بالوساوس والشكوك التي لا تعتمد على برهان صحيح .
روى البخاري (5144) ومسلم
(2563) ، (4917) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ
الْحَدِيثِ ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا
تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ
إِخْوَانًا ) .
قال في عون المعبود ( 9/ 2195 – 2196 ) :
" ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ ) : أَيْ اِحْذَرُوا اِتِّبَاع الظَّنّ أَوْ اِحْذَرُوا
سُوء الظَّنّ , وَالظَّنّ تُهْمَة تَقَع فِي الْقَلْب بِلَا دَلِيل " انتهى .
وروى البيهقي في " الشعب " (8344) عن جعفر بن محمد قال : " إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره ، فالتمس له عذر واحدا إلى سبعين عذرا ، فإن أصبته ، وإلا قل : لعل له عذرا لا أعرفه "
وقال العلامة ابن باز رحمه
الله :
" المشروع للمؤمن أن يحترم أخاه إذا اعتذر إليه ويقبل عذره إذا أمكن ذلك ، ويحسن به
الظن حيث أمكن ذلك ، حرصا على سلامة القلوب من البغضاء ورغبة في جمع الكلمة
والتعاون على الخير ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " لا تظن بكلمة صدرت
من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26
/365) .
فكُلْ من طعام أخيك ، واشرب من شرابه ، ولا تلتفت إلى الوساوس والشكوك ولا تسيء الظن به ، حتى يتبين لك خلاف ذلك بدليل واضح ، أو بظن غالب ، تساعد عليه قرائن الأحوال التي تقول لك إن ها هنا أمرا ينبغي أن تنتبه إليه ، وتحترز منه .
وأما مجرد اتباع الوساوس
والشكوك ، فلا شك أن ذلك من ضعف اليقين ، واتباع نزغات الشيطان بين المؤمنين .
ثانيا :
اليقين عامة هو اعتماد البرهان الجلي فيما يعرض للإنسان من الأمور العلمية والعملية
جميعها ، ونبذ الشك وطرح الوسواس ، ولذلك يقول الفقهاء عبارتهم المشهورة : " اليقين
لا يزول بالشك ".
جاء في "الموسوعة الفقهية" (45/287) :
" الْيَقِينُ فِي اللُّغَةِ : الْعِلْمُ وَإِزَاحَةُ الشَّكِّ ، وَتَحْقِيقُ
الأَمْرِ ، وَهُوَ نَقِيضُ الشَّكِّ ، وَهُوَ ثُلاثِيٌّ مِنْ بَابِ تَعِبَ ،
يُقَالُ : يَقِنَ الأَمْرُ يَيْقَنُ يَقَنًا : إِذَا ثَبَتَ وَوَضَحَ ، فَهُوَ
يَقِينٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ
وَبِالْبَاءِ ، فَيُقَالُ : يَقِنْتُهُ وَيَقِنْتُ بِهِ وَأَيْقَنْتُ بِهِ .
وَالْيَقِينُ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ : هُوَ جَزْمُ الْقَلْبِ بِوُقُوعِ
الشَّيْءِ ، أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ " انتهى .
ثالثا :
أما خبر تلك الشاة المسمومة : فلم يثبت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر في
الأكل منها بعد أن علم أنها مسمومة ، والمروي عنه في ذلك خلافه .
فقد روى أبو داود (4512) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ،
فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ ،
فَقَالَ : ( ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ
) .
صححه الألباني ، وأصله في البخاري (3169) ومسلم (2190)
وعند الدارمي (67) :
فَأَهْدَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً فَتَنَاوَلَ
مِنْهَا وَتَنَاوَلَ مِنْهَا بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ ، ثُمَّ رَفَعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ
تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ )
وعند البزار (6675) قال : ( إن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة ) فامتنع رسول
الله صلي الله عليه وسلم وامتنع من معه .
وعند ابن إسحاق : " فلما
وضعتها بين يديه تناول الذراع ، فلاك منها مضغة، فلم يسغها " .
"البداية والنهاية" (4 /240) ، وينظر : "دلائل النبوة" للبيهقي (4/353) .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم (112196) ، (130499) .
والله أعلم .