عنوان الفتوى : سؤال الله بحق السائلين والتوسل بالنبيين.. نظرة شرعية

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أشكل علي شيء في شرح الطحاوية لابن أبي العز في باب الشفاعة. الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا فإنه عندما قال ( بحق نبيك أو بحق فلان ) محذور من وجهين أحدهما أنه أقسم بغير الله .. ولا يجوز الحلف بغير الله. أورد بعدها حديث أبي سعيد في حق الماشي إلى الصلاة. أسالك بحق مماشي هذا وبحق السائلين عليك. ومعلوم أن الممشى إنما هو من أفعال العباد المخلوقة، كذلك السائلون هم بشر مخلوقون، وقد صرح سابقا بأن قول بحق نبيك أو بحق فلان محذور لأنه أقسم بغير الله. وهنا بحق ممشاي وحق السائلين ؟ ملاحظة ( أنا أعلم أنه لا يجوز التوسل بذات النبي بعد وفاته، إلى جانب أني أعلم أن التوسل لا يكون إلا بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى أو بالعمل الصالح أو بطلب الدعاء من الصالحين) إنما أريد إجابة الاستشكال السابق ذكره في الوجه الأول فقط من كلامه( القسم ) وجزاكم الله خيرا

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح أن السؤال بحق كذا، ليس قسما، وإنما هو نوع من أنواع التوسل.

قال الدكتور ناصر العقل أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في شرحه لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (التوسل والوسيلة): يرى الجمهور - وهو الراجح - أن السؤال بحق كذا أو بكذا لا يعد قسماً، لكنه مع ذلك تحكمه القاعدة في أن منه ما هو ممنوع ومنه ما هو مشروع، فإذا كان السؤال بالشيء مما هو حق، كأن تقول وأنت تدعو الله: اللهم إني أسألك بحق صلاتي، أو بحق المصلين، أو بحق ممشاي هذا؛ فهذا ليس قسماً على الله، فهذا جائز؛ لأنك سألت بحق مشروع شرعه الله عز وجل، وهو التوسل بالأعمال الصالحة. اهـ.
يعني أن السؤال بحق السائلين وبحق الممشى إلى الصلاة، إنما هو توسل إلى الله بالعمل الصالح، وببعض أفعال الله عز وجل، وهو مشروع، ويوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله في (التوسل والوسيلة): إن كان هذا صحيحاً فحق السائلين عليه أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو حق أوجبه على نفسه لهم، كما يسأل بالإيمان والعمل الصالح الذي جعله سبباً لإجابة الدعاء، كما في قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} وكما يُسأل بوعده؛ لأن وعده يقتضي إنجاز ما وعده. اهـ.
وقال في موضع آخر: الدعاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالح إما أن يكون إقساماً به، أو سبباً به، فإن كان قوله: "بحق السائلين عليك" إقساماً فلا يقسم على الله إلا به، وإن كان سبباً فهو سبب بما جعله هو سبحانه سبباً، وهو دعاؤه وعبادته. فهذا كله يشبه بعضه بعضاً، وليس في شيء من ذلك دعاء له بمخلوق من غير دعاء منه، ولاعمل صالح منا. اهـ.
وقال في (الفتاوى الكبرى): إذا سأل الله بالأعمال الصالحة وبدعاء نبيه والصالحين من عباده، فالأعمال الصالحة سبب للإثابة، والدعاء سبب للإجابة، فسؤاله بذلك سؤال بما هو سبب لنيل المطلوب، وهذا معنى ما يروى في دعاء الخروج إلى الصلاة: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا". وكذلك أهل الغار الذين دعوا الله بأعمالهم الصالحة، فالتوسل إلى الله بالنبيين هو التوسل بالإيمان بهم وبطاعتهم كالصلاة والسلام عليهم ومحبتهم وموالاتهم أو بدعائهم وشفاعتهم، وأما نفس ذواتهم فليس فيها ما يقتضي حصول مطلوب العبد، وإن كان لهم عند الله الجاه العظيم والمنزلة العالية بسبب إكرام الله لهم وإحسانه إليهم، وفضله عليهم، وليس في ذلك ما يقتضي إجابة دعاء غيرهم إلا أن يكون بسبب منه إليهم كالإيمان بهم والطاعة لهم، أو بسبب منهم إليه كدعائهم له وشفاعتهم فيه، فهذان الشيئان يتوسل بهما، وأما الإقسام بالمخلوق فلا. اهـ.
وقال الدكتور سفر الحوالي في (شرح الطحاوية): إذا سأل العبد الله تَعَالَى بعمل عمله هو ويظن عند نفسه أن هذا العمل خالص لِوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه خرج من بيته متطهراً يبتغي وجه الله ورضوانه، إِلَى بيت من بيوت الله، فيتوسل إِلَى الله بهذا العمل فَيَقُولُ: "أسألك بحق ممشاي هذا" فهو يسأل الله بعمل له صالح. اهـ.
ثم على القول الآخر بأن هذا من باب القسم، فليس من القسم بالمخلوق، وإنما هو قسم بصفة أو فعل من أفعال الله تعالى؛ لأن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله.

قال شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط المستقيم): هذا الحديث رواه عطية العوفي، وفيه ضعف. لكن بتقدير ثبوته: هو من هذا الباب ـ يعني التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة ـ فإن حق السائلين عليه سبحانه أن يجيبهم، وحق المطيعين له أن يثيبهم، فالسؤال له والطاعة سبب لحصول إجابته وإثابته، فهو من التوسل به، والتوجه به، والتسبب به، ولو قدر أنه قسم لكان قسما بما هو من صفاته؛ لأن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله. فصار هذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» والاستعاذة لا تصح بمخلوق، كما نص عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وذلك مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق، ولأنه قد ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» قالوا: والاستعاذة لا تكون بمخلوق، فأورد بعض الناس لفظ (المعافاة) فقال جمهور أهل السنة: المعافاة من الأفعال، وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم يقولون: إن أفعال الله قائمة به، وأن الخالق ليس هو المخلوق، وعلى هذا جمهور أصحاب أحمد والشافعي ومالك وهو قول أصحاب أبي حنيفة، وقول عامة أهل الحديث، والصوفية، وطوائف من أهل الكلام والفلسفة اهـ.
والله أعلم.