عنوان الفتوى : كيفية اتصال الروح بالجسد لا يعلمها إلا الله تعالى وحده
كيف تزور الروح الجسد في بعض الحالات في القبر؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللروح اتصال ما بالبدن بعد الموت على وجه غير الذي نشاهده في الدنيا، فالروح تفارق البدن بالموت، ولكنها تتصل به أحيانا على وجه يعلمه الله، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: هَلْ تُعَادُ رُوحُهُ إلَى بَدَنِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، أَمْ تَكُونُ تُرَفْرِفُ عَلَى قَبْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ؟ فَإِنَّ رُوحَهُ تُعَادُ إلَى الْبَدَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَتُعَادُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ نَسَمَةَ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ، وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ ـ وَمَعَ ذَلِكَ فَتَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ مَتَى شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ فِي اللَّحْظَةِ بِمَنْزِلَة نُزُولِ الْمَلَكِ، وَظُهُورِ الشُّعَاعِ فِي الْأَرْضِ، وَانْتِبَاهِ النَّائِمِ، وَهَذَا جَاءَ فِي عِدَّةِ آثَارٍ، أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَكُونُ فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَرْوَاحُ تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُهُ، فَهَذَا يَكُونُ أَحْيَانًا، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْوَاحَ مُرْسَلَةٌ، تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ. انتهى.
وأما كيفية هذا الاتصال: فمن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وليس لنا أن نخوض فيه بمجرد الظنون، وإذا كنا لا نعرف كيفية اتصال أرواحنا بأبداننا في الحياة فكيف نعرف ما وراء ذلك؟ وهذه الأرواح تتصل بالأبدان في أثناء النوم الذي هو أخو الموت فلا ينكر اتصالها بها بعد الموت، كما دلت عليه النصوص والآثار، وأما كيفية ذلك: فمما لا يحيط البشر بعلمه، قال شيخ الإسلام: فالروح تتصل بالبدن متى شاء الله تعالى وتفارقه متى شاء الله تعالى، لا يتوقت ذلك بمرة ولا مرتين، والنوم أخو الموت، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: باسمك اللهم أموت وأحيا، وكان إذا استيقظ يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ـ فقد سمى النوم موتا والاستيقاظ حياة، وقد قال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ـ فبين أنه يتوفى الأنفس على نوعين: فيتوفاها حين الموت ويتوفى الأنفس التي لم تمت بالنوم، ثم إذا ناموا فمن مات في منامه أمسك نفسه ومن لم يمت أرسل نفسه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ـ والنائم يحصل له في منامه لذة وألم وذلك يحصل للروح والبدن حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه، فيصبح والوجع في بدنه ويرى في منامه أنه أطعم شيئا طيبا فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به ـ والذي إلى جنبه لا يحس به ـ حتى قد يصيح النائم من شدة الألم، أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه وقد يتكلم إما بقرآن وإما بذكر وإما بجواب واليقظان يسمع ذلك وهو نائم عينه مغمضة ولو خوطب لم يسمع، فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسمع قرع نعالهم؟ وقال: ما أنتم أسمع لما أقول منهم... ولا يجوز أن يقال: ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب ـ مثلما ـ يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم، وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره والتراب لا يتغير ونحو ذلك. انتهى.
فليقف المسلم حيث أوقفه الله تعالى ولا يخض فيما لا سبيل إلى العلم به.
والله أعلم.