عنوان الفتوى : ماذا تفعل مع أمها التي تؤذيها مع برها بها
أود أن أسألكم عن حالتي التي والله بدأت أيأس منها، أرجو أن تقرؤوا ما كتبت، فصدقوني أحتاج إلى المساعدة، فالأمر يتعلق بأمي فأنا أحبها حبا جما وهي كل شيء في حياتي، بل ونورها المتلألئ وأقوم بأي شيء يرضيها، لكن دون جدوى، فمنذ صغري وأنا أشعر، بل وهي تشعرني بأنني أعقها ولا أحترمها، وقد أنهك هذا الأمر نفسي، وجعلني أخاف من غضب الله على الرغم أنني والله لم أفعل شيئا، لكن المشكلة أن أمي تغضب بسرعة وهي صارمة جدا، فلأبسط الأمور تغضب، فمثلا تضع شيئا في مكان ما، وعندما تجدنا غيرنا مكانه نسيانا تبدأ بالصراخ وكأنها نهاية العالم، وليس هذا فحسب، بل تهينني بعبارات، صدقوني تفتك قلبي وتدمرني، صحيح أنها أمي والله أمرنا ببرها وكذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لكنها تقول لي أمورا تستصغرني جدا، فمثلا قولها إنني فتاة مريضة عقليا، وأنني لا أصلح لشيء، وأنني بلهاء وغبية وأشياء أخرى أمام إخوتي، وحتى الأقارب أصبحوا ينظرون إلي على أنني لست عادية، ففي صغري كنت أقول في نفسي إن هذا عادي، وأن جميع الأمهات يفعلن هكذا لتربية أولادهن، لكن الآن وأنا في 21 سنة من عمري أحتاج إلى الشعور بالكرامة كأي إنسان، والحمد لله لست مريضة عقليا ولا فاشلة ولا شيء، بل بالعكس ففي كل عمل أقوم به أنجح، وربما عباراتها الجارحة كانت حافزا لي يزيدني قوة وإرادة لأريها أنني ناجحة، ففي دراستي كنت دوما الأولى في الصف، وجميع الناس يحبونني ويحترمونني، والآن أنا طالبة في كلية الطب والدراسة صعبة جدا، ومجال الطب والجراحة خاصة يحتاج إلى الثقة بالنفس ومن يقف بجانبي، لكنني أصبحت أشك في قدراتي، وأرى الحياة بنظرة سوداوية وسلبية، والمشكلة أن إهانات أمي لي غرست الألم في روحي وتسقيه يوما بعد يوم ليكبر ويكون عميقا، وقد انعكس هذا على حالتي النفسية، وصرت عندما أتحدث مع أصدقائي إذا قال أحدهم شيئا أحسبه فورا إهانة، وصرت أحتقر نفسي ولا أثق بها، لأنني تعودت على الإهانة، بل وتعدى الأمر إلى الضرب، يعني يمكن ضرب طفل صغير لتأديبه إن كان شقيا، لكن ليس فتاة في 21 سنة من عمرها لأتفه الأشياء، لا أدري إن كان الإسلام ديننا العظيم يقدم رخصة لهذه الإهانات للأم، لأنها أم ولأنها يمكن أن تضرب أبناءها وتجرح شعورهم كما تشاء لأنها أم، وإن كان ديننا يرى أن هذا عادي فسوف أحترم ذلك وأستغفر الله وأصبر وأدعو الله أن ييسر لي أمري، أرجوكم أخبروني ماذا أفعل؟ فكلما حاولت أن أحدثها بهدوء وأقول لها لم تفعلين هذا، وكل إنسان يمكن أن يخطئ لا يعني هذا فشله؟ تقول لي: أنت ابنتي وسأقول لك ما أشاء ما دمت في بيتي وتحت رعايتي ـ وتعتبر رفضي للضرب والإهانة قلة احترام لها، ويعني إن قدر لي الله أن أبقى في بيت والدي طيلة حياتي سأضطر إلى العيش في هذه الحالة المؤلمة، أرجوكم قولوا لي هل أنا بهذه الطريقة أعتبرعاقة لأمي؟ وهل الله سيغضب مني؟ أرجو من حضرتكم ألا تحيلوا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان حال أمك معك هو ما تذكرين، فلا شك في أن هذا من الابتلاء العظيم، وهنا تأتي عبادة مهمة وهي عبادة الصبر، ففيها من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة ما فيها كرفعة الدرجات وتكفير السيئات، ويمكنك الاطلاع على بعض النصوص الواردة في فضل الصبر بالفتوى رقم: 18103.
وقد أحسنت فيما ذكرت من بقاء حق الأم في البر والإحسان وإن صدر منها من الإساءة ما صدر في حق أولادها، وهذا قد قررناه في كثير من فتاوانا، ونحيلك منها على الرقم: 21916.
فجزاك الله خيرا وزادك برا بأمك، وأصلح لك من شأنها، وكون الأم أما، وكون الشرع قد أوجب لها حق البر والإحسان لا يسوغ لها مثل هذه التصرفات معك أو مع أي من أولادها، وهي تأثم بذلك، لذلك ينبغي أن يبذل لها النصح بهذا الخصوص برفق ولين، والأولى أن يكون ذلك ممن يرجى أن يكون له وجاهة عندها، وأما أنت فما عليك إلا الصبر والحذر من الوقوع في كل ما يمكن أن يكون فيه عقوق لها، وينبغي أن تجتنبي كل ما يمكن أن يكون مستفزا لأمك وسببا في استثارة غضبها، ومجرد مناصحتك لها أو رفضك لضربها لك لا يعتبر عقوقا ما لم يخرج عن حد الأدب في أسلوبك معها، ونوصيك بالدعاء لها بخير، وأن تسألي الله تعالى أن يرزقها الحلم والأناة، وأن يذهب عنها سرعة الغضب وبذاءة اللسان وطيش التصرف، فقد قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
وراجعي آداب الدعاء بالفتوى رقم: 119608.
وعليك بالحرص على الاجتهاد في شغل وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك، وعدم الاسترسال في التفكير فيما يحدث معك من قبل أمك، واحرصي أيضا على مصاحبة زميلاتك الصالحات ليكن عونا لك في شحذ همتك في سبيل النجاح وتجاوز الآثار النفسية لتصرفات أمك معك، واطلبي العون من الله أولا وآخرا، هذه بعض التوجيهات التي رأينا الكتابة بها إليك، ولو أنك راسلت قسم الاستشارات بموقعنا فربما وجدت إفادة وتوجيهات أكثر وأنفع، نسأل الله لنا ولك العون والسداد والتوفيق لما يرضي رب العباد.
والله أعلم.