عنوان الفتوى : الصلاة مصدر إعانة لا إعاقة
الصلاة عماد الدين وهي عبادة والعمل عبادة كيف للمسلم أن يوفق بين هذا وذاك مع العلم أن العمل دائم من 9 صباحاً إلى العاشرة ليلاً؟ وهل يجوز قضاؤها كل يوم من الصبح إلى العشاء؟ وفي بعض الأحيان أكون متعبا فأتركها إلى الصبح ما حكم ذلك؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله خلق هذا الإنسان، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، ولو تأمل الإنسان في نفسه وسمعه وبصره وعقله وبقية جوارحه، ولو قلب بصره في نعم الله من حوله فأرضه وسماؤه وهواؤه وماؤه كل ذلك ملك لله تعالى، فهو الذي وهبها وهو الذي يأخذها إن شاء، قال الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام:46].
وأراد الله بحكمته البالغة أن يختبر عباده بطاعته، فأمرهم ونهاهم وكلفهم من الشرع ما يطيقون، فانقسم الناس إلى قسمين:
قسم عقلاء: عرفوا حقيقة الدنيا، وأنها دار ابتلاء وامتحان، وأنها دار ممر لا مقر، وأدرك هؤلاء العقلاء أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وفهموا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" رواه مسلم.
وهؤلاء العقلاء لا يقدمون راحة ساعة في الدنيا وتكون نتيجتها نارا تلظى في الآخرة، ولا يقدمون عمل الدنيا الفانية على عمل الآخرة الباقية.
والعمل والسعي في طلب الرزق عبادة إن أعان على طاعة الله، وإلا فهو طاغوت يعبد من دون الله، وكم من الناس يعبدون وظائفهم فيقدمونها على أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، يقدمونها على الصلاة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "تعس عبد الدنيار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش" رواه البخاري، وانظر الفتوى رقم: 3249.
وقسم: جهلوا حقيقة الدنيا فعظمت في نفوسهم وبذلوا لها أوقاتهم وأنفسهم، وقدموا عملها على عمل الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء". رواه البخاري، والمرماة: ما بين ظلفي الشاة من اللحم.
فكن أخي الحبيب من القسم الأول، كن عبداً لله، فقدم أمره وطاعته، ولا تكن عبداً لنفسك وشهوتك ودنياك، وكيف تنام عن الصلاة بحجة التعب والإرهاق، أما تخشى من الإرهاق في نار الجحيم، أما تذكر قوله تعالى: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر:17]. أما تخاف أن تكون من أهل سقر الذين قالوا: إن ترك الصلاة هو أول سبب لورودهم جهنم، قال تعالى: (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر:39-43].
ووالله لأن تخسر الدنيا بحذافيرها أهون من أن تضيع منك صلاة واحدة، وخذ نفسك بالعزائم، واحذر كيد الشيطان ومكره.
واعلم أن تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر معصيته عظيمة وذنب كبير، وانظر في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 1648، 7409، 1490، 10767.
وإن فاتتك صلاة أو صلوات، فيجب عليك قضاؤها في أول وقت أمكنك القضاء، قبل أن تندم في يوم لا ينفع الندم، وانظر الفتوى رقم: 7960، والفتوى رقم: 6061، والفتوى رقم: 15037.
والله أعلم.