عنوان الفتوى : هل كانت فاطمة بنت محمد تنوح وتبكي بعد موته صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سؤالي هو: كيف كانت ردة فعل السيدة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم عند موت والدها؟ وكيف كانت خلال الستة أشهر بعد وفاة أبيها، لأنني قرأت في مواقع بأنها كانت تنوح وتبكي كثيراٌ؟.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فلا ريب في أن أفدح مصاب بليت به الأمة كلها هو المصاب بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد طاشت لهذا الحدث الجلل ألباب كثير ممن حلومهم كالجبال حتى إن عمر ـ رضي الله عنه ـ مع شدة صبره وجلده وصلابته كان منه ما كان مما هو معلوم، وقد كان لفاطمة ـ رضي الله عنها ـ من هذا الحزن على موته نصيب، لكنها ـ رضي الله عنها ـ من أعلم الناس بدين الله وأتبع الناس لأبيها صلى الله عليه وسلم فلم يكن منها شيء يغضب الله تعالى من النوح ونحوه وحاشاها رضي الله عنها من ذلك وهي بضعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن منها في حزنها إلا أن رثت النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات معبرات عن عميق الألم المصحوب بعظيم الصبر، فروى البخاري في صحيحه عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: لما ثقل النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ.

قال الحافظ في الفتح: وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ احْتِضَارِهِ بِمِثْلِ قَوْلِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَاكَرْبَ أَبَاهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النِّيَاحَةِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ، وَأما قَوْلهَا بعد أَن قبض وَا أبتاه إِلَخْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُتَّصِفًا بِهَا لَا يُمْنَعُ ذِكْرُهُ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ فِيهِ ظَاهِرًا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ أَوْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّصَافُهُ بِهَا فَيَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ. انتهى.

وقال العيني: وَلَا يُقَال: إِنَّه نوع من النِّيَاحَة، لِأَن هَذَا ندبة مُبَاحَة لَيْسَ فِيهَا مَا يشبه نوح الْجَاهِلِيَّة من الْكَذِب وَنَحْوه. انتهى.

ولم نطلع على شيء في خبر حزنها أو ما جرى منها بعد هذا، لكن المقطوع به أنه لم يكن منها ـ رضي الله عنها ـ شيء من النياحة المذمومة، قال ابن كثير في البداية بعد ذكر الحديث المتقدم: وَهَذَا لَا يُعَدُّ نِيَاحَةً، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ فَضَائِلِهِ الْحَقِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ ـ فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى بَنِيهِ ـ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ. انتهى.

وقد كانت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ تعلم أنها أول أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به كما أخبرها بذلك صلوات الله عليه، كما ثبت في الصحيح.

والله أعلم.