عنوان الفتوى : حكم شهادة الأجير لمن استأجره
شيخنا الفاضل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت، وأجازها لغيرهم. رواه أبو داود وقال: الغمر الحنة والشحناء، والقانع الأجير التابع مثل الأجير الخاص. اهـ. وقوى إسناده ابن حجر في التلخيص. وحسنه الألباني.
وقد تباينت عبارات أهل العلم في تفسير القانع الذي ترد شهادته.
فقال الخطابي في (معالم السنن): القانع هو السائل والمستطعم، وأصل القنوع السؤال، ويقال: إن القانع المنقطع إلى القوم لخدمتهم ويكون في حوائجهم كالأجير والوكيل ونحوه. ومعنى رد هذه الشهادة: التهمة في جر النفع إلى نفسه؛ لأن التابع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع، وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعاً فهي مردودة، كمن شهد لرجل على شراء دار وهو شفيعها، وكمن حكم له على رجل بدين وهو مفلس فشهد للمفلس على رجل بدين ونحوه. اهـ.
وقال الماوردي في (الحاوي الكبير): القانع: السائل لأهل البيت الذين كانوا يتعاهدونه بالبر والصدقة. اهـ.
وجاء في (عون المعبود): قال المظهر: القانع السائل المقتنع الصابر بأدنى قوت، والمراد به هاهنا أن من كان في نفقة أحد كالخادم والتابع لا تقبل شهادته له؛ لأنه يجر نفعا بشهادته إلى نفسه؛ لأن ما حصل من المال للمشهود له يعود إلى الشاهد لأنه يأكل من نفقته. اهـ.
وقال الشوكاني في (نيل الأوطار): هو الخادم المنقطع إلى الخدمة، فلا تقبل شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه، وذلك كالأجير الخاص. وقد ذهب إلى عدم قبول شهادته للمؤجر له الهادي والقاسم والناصر والشافعي، قالوا: لأن منافعه قد صارت مستغرقة فأشبه العبد. وقد حكي في البحر الإجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيده. اهـ.
وقال في (الدرر البهية): القانع: الذي ينفق عليه أهل البيت. اهـ.
وقال الصنعاني في (سبل السلام): إنما منع من شهادته لمن هو قانع لهم؛ لأنه مظنة تهمة فيحب دفع الضرر عنهم وجلب الخير إليهم فمنع من الشهادة. اهـ.
وقال الغيتابي في (البناية شرح الهداية): القانع والتابع لأهل البيت كالخادم. اهـ.
وقال ابن حزم: القانع السائل. اهـ.
وفي قبول شهادة القانع لمن قنع له، وكذا في شهادة الأجير لمستأجره خلاف بين أهل العلم.
قال ابن حزم في (المحلى): قال أبو حنيفة: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره في شيء أصلا. وهو قول الأوزاعي. وقال مالك كذلك، إلا أن يكون عدلا مبرزا في العدالة، إلا أن يكون في عياله فلا تجوز شهادته له. وقال الشافعي: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره فيما استأجره فيه خاصة، وتجوز له فيما عدا ذلك - وهو قول سفيان الثوري، وأبي ثور. وكذلك قالوا: في الوكيل سواء سواء .. وصح عن شريح: لا تجوز عليك شهادة الخصم، ولا الشريك، ولا الأجير لمن استأجره ... قال أبو محمد بن حزم: كل من ذكرنا في هؤلاء مقبولون لكل من ذكرنا، كالأجنبيين ولا فرق ... اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): شهادة الأجير الخاص لمستأجره لا تقبل، لأن المنافع بينهم متصلة .. ولأن الأجير يستحق الأجرة في مدة أداء الشهادة، فصار كالمستأجر لأداء الشهادة. وهذا عند الحنفية والحنابلة. وتقبل شهادته لمستأجره عند المالكية إن كان الأجير مبرزا في العدالة ولم يكن في عيال المشهود له. اهـ.
وننبهك إلى أن قبول هذه الشهادة موقوف على نظر القاضي، فحكمه يفصل النزاع ويرفع الخلاف بين المتخاصمين.
وأما قول السائل: (هل يؤخذ بشهادة أي منهما ـ الاثنين معا ـ على شخص آخر ... الخ) فلم يتبين لنا مراده بذلك. والحاصل أن الأصل في المسلم العدالة، وإنما ترد شهادة الأجير والقانع ـ عند من يردها من أهل العلم ـ لوجود التهمة، أما اجتماعهما (أي الأجير ومستأجره، أو القانع ومن قنع له) على شهادة لشخص آخر أو عليه، فلا تهمة فيها.
والله أعلم.